الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4854 81 - حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، سمعت أبا حازم يقول : سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول : إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة فقالت : يا رسول الله ، إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك ، فلم يجبها شيئا ، ثم قامت فقالت : يا رسول الله ، إنها قد وهبت [ ص: 139 ] نفسها لك فر فيها رأيك ، فلم يجبها شيئا ، ثم قامت الثالثة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، أنكحنيها ، قال : هل عندك من شيء ؟ قال : لا ، قال : اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد ، فذهب فطلب ثم جاء فقال : ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد ، فقال : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا ، قال : اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه التزويج على القرآن من غير ذكر صداق ، وعلي بن عبد الله بن المديني ، وسفيان بن عيينة ، وأبو حازم سلمة بن دينار ، والحديث قد مر بطرق كثيرة ومتون مختلفة ، وقد ذكرنا أن الشافعي ذهب إلى هذه الأحاديث وإلى أن أخذ الأجر على تعليم القرآن جائز ، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والليث والمزني : لا يكون تعليم القرآن مهرا ، زاد أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه : فإن تزوج على ذلك فالنكاح جائز ، وهو في حكم من لم يسم لها مهرا فلها مهر مثلها إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فلها المتعة ، وقال الطحاوي : قوله أنكحتكها أو زوجتكها أو أملكتكها بما معك من القرآن خاص بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لغيره ; لأن الله تعالى أباح له ملك البضع بغير صداق ولم يجعل ذلك لغيره بقوله خالصة لك من دون المؤمنين فكان له ما خصه الله تعالى أن ملك غيره ما كان له ملكه بغير صداق ويكون ذلك خاصا به .

                                                                                                                                                                                  وقال الليث : لا يجوز لأحد أن يتزوج بالقرآن ، والدليل على صحة ذلك أنها قالت : " قد وهبت لك نفسي ، فقام رجل فقال : إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها " ، ولم يذكر في الحديث أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شاورها في نفسها ولا أنها قالت : زوجني منه ، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يهبها بالهبة التي جاز له نكاحها ، فإن قلت : يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سألها أن يزوجها منه ولم ينقل ، قلت : يحتمل أن يكون جعل لها مهرا غير السور ولم ينقل ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فإن قلت : قد روي أنه استأذنها وأنه قال له : "عوضها إذا رزقك الله " ، قلت : قد ذكرنا خصوصيته صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى شيء آخر .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر : أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته ، وأنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا ، وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا مسمى ، انتهى . ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم زوجها بما معه من القرآن لحرمته ، وعلى وجه التعظيم للقرآن وأهله لا على أنه مهر ، ويحتمل أن يريد بقوله : ولو خاتما من حديد ، تعجيل شيء يقدمه من الصداق ، وإن كان قليلا فيدل على ذلك أنه كان يجوز أن يزوجه على مهر في ذمته ، وقال ابن العربي : ذكر خاتم الحديد كان قبل النهي عنه ، بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنه حلية أهل النار " فنسخ النهي جوازه وطلبه له . قال بعض المالكية : لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا لقلة الصناع يومئذ عندهم قلت : للحنفي أيضا أن يقول لعله كان يساوي عشرة فما فوقها .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إذ قامت امرأة ) كلمة إذ للمفاجأة وقد مر الكلام فيها ; لأن هذا الحديث قد ذكر إلى هنا في كتاب النكاح ثمان مرات مطولا ومختصرا ، قوله : ( فقالت : يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها ) ، فيه التفات وكذا في رواية حماد بن زيد ، لكن قال : إنها وهبت نفسها لله ولرسوله ، ووقع في رواية مالك : "إني وهبت نفسي لك" ، هذا على ما يقتضيه سياق الكلام . قوله : ( فر ) الفاء للعطف ، و : ( ر ) وحدها أمر من رأى يرأى على وزن "ف" ; لأن عين الفعل ولامه محذوفان ; لأن أصله : ارأى على وزن افعل حذفت لام الفعل للجزم ; لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغنيت عن همزة الوصل فحذفت فبقي : "ر" على وزن "ف" ، وقال الكرماني : ويروى بهمزة بعد الراء ، قلت : القاعدة في مثل هذا الباب نحو : "ر" ، و : "ق" ، و : "ع" ، وغيرها أن يلحقها هاء السكت ، فيقال : "ره" ، و "قه" ، و "عه" ; لأن الابتداء بكلمة والوقوف عليها وهي حرف واحد فيه بعض تعسر واستثقال وبقية الكلام فيه قد مرت بالتكرار .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية