الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4857 84 - حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن زكرياء هو ابن أبي زائدة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ( لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها ) .

                                                                                                                                                                                  وعبيد الله بن موسى بن باذام العبسي الكوفي ، واسم أبي زائدة خالد وقيل هبيرة ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، والحديث من أفراده من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( لا يحل ) ظاهره التحريم ، لكنه محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حبيب : حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم ينفسخ النكاح ، واعترض عليه ابن بطال بأن نفي الحل تحريم صريح ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها . وفي رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق ابن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري المذكور بلفظ : لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفئ إناءها . وأخرجه البيهقي ولفظه : لا ينبغي ، بدل لا يصلح ، وقال : لتكفأ ، ولفظ الترمذي : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ بما في إنائها .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( لتكتفئ ) من كفأت الإناء إذا أملته ، وقال الكسائي : أكفأت الإناء كببته وكفأته وأكفأته أملته . قوله : ( لتستفرغ صحفتها ) أي لتقلب ما في إنائها ، وأصله من أفرغت الإناء إفراغا وفرغته تفريغا إذا قلبت ما فيه لكن هو مجاز عما كان للتي [ ص: 143 ] يطلقها من النفقة والمعروف والمعاشرة ، وقال بعضهم : المراد بالصحفة ما كان يحصل من الزوج . قلت : هذا غلط فاحش . وقال ابن الأثير في هذا الحديث : الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها ، وجمعها صحاف ، ويقال : الصحفة القصعة التي تشبع الخمسة . قال : وهذا مثل تريد الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن استفرغ صحفة غيره وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه . وقال الطيبي : هذه استعارة مستملحة تمثيلية ، شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة ، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة ، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الألفاظ .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فإنما لها ) أي للمرأة التي تسأل طلاق أختها ، ما قدر لها في الأزل ، وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلاما قدره الله تعالى . وقال الطحاوي : أجاز مالك والكوفيون والشافعي أن يتزوج المرأة على أن يطلق زوجته فإن تزوجها على ألف على أن يطلق زوجته ، فعند الكوفيين النكاح جائز ولكنه إن وفى بما قال فلا شيء عليه غير الألف وإن لم يوف أكمل لها مثل مهرها . وقال ربيعة ومالك والثوري : لها ما سمى لها وفى أو لم يوف . وقال الشافعي : لها مهر المثل ، وفى أو لم يوف ، فإن قلت : ظاهر الحديث التحريم فإذا وقع فهو غير لازم .

                                                                                                                                                                                  قلت : النهي فيه للتغليظ عليها أن لا تسأل طلاق أختها وليس التحريم في حقها يوجب أن الطلاق إذا وقع أن يكون غير لازم ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية