الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4858 85 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار قال : كم سقت إليها ؟ قال : زنة نواة من ذهب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولم ولو بشاة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ( وبه أثر صفرة ) والحديث أخرجه النسائي في النكاح عن محمد بن سلمة ، قوله : ( وبه أثر صفرة ) الواو فيه للحال ، وفي لفظ رأى عبد الرحمن بن عوف وبه ردع زعفران أي ملطخ منه ، وثوب رديع أي مصبوغ بالزعفران ، وفي رواية وضر صفرة أي لطخ من طيب وفي رواية فرأى عليه بشاشة العروس ورواية ردع من زعفران تدل على أنه مما التصق بجسمه من الثياب المزعفرة التي يلبسها العروس ، وقيل : إن من كان ينكح في الإسلام يلبس ثوبا مصبوغا بصفرة علامة العروس والسرور ، ألا ترى إلى قوله : وعليه بشاشة العروس ، وقيل : إنما كان يلبسها ليعينه الناس على وليمته ومؤنته . وقال ابن عباس : أحسن الألوان كلها الصفرة لقوله تعالى : صفراء فاقع لونها تسر الناظرين فقرن السرور بالصفر فكان صلى الله عليه وسلم يحب الصفرة ، ألا ترى إلى قول ابن عباس حين سئل عن صبغه بها فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة فأنا أصبغ بها وأحبها ، ونقل ابن عبد البر عن الزهري أن الصحابة كانوا يتخلقون ولا يرون به بأسا ، وقال ابن سفيان هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد ، وكره أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران لحديث أنس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل ، قوله : ( تزوج امرأة من الأنصار ) ذكر الزبير أنها ابنة أبي الحسن ، واسمه أنس بن رافع . قوله : ( كم سقت إليها ) أي كم أعطيت صداقها ، قوله : ( زنة نواة ) أي وزن نواة ، والزنة أصله وزن [ ص: 144 ] حذفت الواو منه وعوض عنها التاء ، والنواة وزن خمسة دراهم ، وكلمة من في الذهب للبيان ، قوله : ( أولم ولو بشاة ) كلمة أولم أمر من أولم يولم ، والوليمة اسم للطعام الذي يصنع عند العرس ، وقال ابن سيده : هي طعام العرس والإملاك . وقيل : هي كل طعام يصنع لعرس غيره . وقال النووي : هي مشتقة من الولم وهو الجمع ; لأن الزوجين يجتمعان . وقال ابن الأعرابي : أصلها تمام الشيء واجتماعه ، والفعل منها أولم . وقال أبو منصور : النقيعة طعام الإملاك ، قاله النضر ، قال : وربما نقعوا عن عدة من الإبل أي نحروه ، وقال : إذا زوج الرجل فأطعم عيلته قلنا نقع لهم . وعن الأصمعي : النقيعة ما نحر من النهب خاصة قبل القسم . وقال الأزهري : ومأخذها عندي من النقع وهو النحر أو القتل .

                                                                                                                                                                                  وفي المخصص : النقع طعام المأتم ، والعذير والعذيرة والإعذار ما عمل من الطعام لحدث كالختان ، وقال ابن الأثير : الإعذار الطعام الذي يطعم في الختان ، وفي الأصل الإعذار الختان ، يقال : عذرته وأعذرت فهو معذور ومعذر ، والفرع طعام يصنع عند نتاج الإبل ، والسفرة طعام المسافر ، والسمعة ما سمع به من طعام وغيره ، والعلقة والعلاق الطعام يتبلغ به إلى وقت الغذاء ، والعجالة ما استعجل به من طعام ، وقيل : هو ما يتزوده الراكب مما لا يتعبه أكله نحو التمر والسويق ، والركاث ما يستعجل به الغذاء ، والكرزمة أكل نصف النهار ، والعوافة ما يأكل الأسد بالليل ، والقفي ما يكرم به الرجل من الطعام ، والعنادة ما يرفع من المرق للإنسان ، والعوادة ما أعيد على الرجل من الطعام بعدما يفرغ القوم ، يختص به ، والعقيقة يوم سابع المولود ، والمأدبة كل طعام صنع لدعوة ، والوضيمة قال ابن سيده : طعام المأتم ، والحذاق طعام حذق الصبي للقرآن العظيم ، يعني يوم ختمه ، والخبيرة الدعوة على عقيقة الغلام ، قاله العسكري ، والخديقة على وزن الهريسة طعام العرب ، والسندخية طعام الإملاك ، قاله ابن دريد ، والقرى طعام الضيف ، والتحفة طعام الزائر وطعام المتعلل قبل الغداء ، والسلفة واللهنة طعام المستعجل قبل إدراك الغداء ، والخرسة الطعام الذي تأكله المرأة النفساء وحدها .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أولم ) احتج به الظاهرية ، وقالوا : فرض على كل من تزوج أن يولم بما قل أو كثر ، وبه قال أبو سليمان وقال القرطبي ، وهو أحد قولي الشافعي ومشهور مذهب مالك ، وقال ابن التين : وهو مذهب أحمد وفيه نظر ; لأن ابن قدامة قال في المغني : ويستحب لمن تزوج أن يولم ولو بشاة لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة وليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم ، وقال بعض أصحاب الشافعي : هي واجبة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه ، وقال ابن قدامة : هو طعام سرور حادث فأشبه سائر الأطعمة . والخبر محمول على الاستحباب لقوله : ( ولو بشاة ) ولا خلاف في أنها لا تجب ، وقال عياض : لا خلاف أنه لا حد لقليل الوليمة ولا لكثيرها ، وقال المهلب : فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الولائم المختلفة إنما تجب على قدر اليسار في ذلك الوقت وليس في قوله لعبد الرحمن : " أولم ولو بشاة " منعا لما دون ذلك ، وإنما جعل الشاة غاية في التقليل ليساره وغناه ، وقيل : يحتمل أنه قال له ذلك لعسر الصحابة حين هجرتهم فلما توسعوا بفتح خيبر وشبه ذلك أولم سيدنا الحيس وشبهه ، وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقيبه ، أو عند الدخول أو عقيبه ، أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول ، على أقوال :

                                                                                                                                                                                  قال النووي : اختلفوا ، فقال عياض : إن الأصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول ، وعن جماعة منهم أنها عند العقد ، وعند ابن حبيب عند العقد وبعد الدخول ، وقال في موضع آخر : يجوز قبل الدخول وبعده ، وقال الماوردي : عند الدخول ، وحديث أنس : فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب فدعى القوم ، صريح أنها بعد الدخول ، واستحب بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقيبها وعليه عمل الناس .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية