الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4989 وقال الأويسي :

                                                                                                                                                                                  39 - ح وحدثنا إبراهيم بن سعد ، عن شعبة بن الحجاج ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن مالك قال : عدا يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها ، فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق وقد أصمتت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتلك فلان لغير الذي قتلها ، فأشارت برأسها : أن لا ، قال : فقال لرجل آخر غير الذي قتلها فأشارت : أن لا ، فقال : ففلان لقاتلها ، فأشارت : أن نعم ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 287 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 287 ] مطابقته للجزء الأخير من الترجمة ظاهرة ، والأويسي بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف هو عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس العامري المديني أحد شيوخ البخاري ، وقد مر في العلم ، ونسبته إلى أحد أجداده أويس ، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده أنس .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن محمد وهو ابن سلام ، وعن بندار عن غندر ، وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وغيره ، وأخرجه أبو داود في الديات عن عثمان بن أبي شيبة ، وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن بندار وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عدا يهودي " يعني : تعدى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " أي : في زمنه وأيامه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأخذ أوضاحا " بفتح الهمزة جمع وضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة ، وهو نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها وصفائها ، وقال الكرماني : الأوضاح الحلي من الدراهم الصحاح ، سميت بذلك لوضوحها وبياضها وصفائها ، وقيل : ومنه أنه أمر بصيام الأواضح وهي أيام البيض ، وفي حديث آخر : " صوموا من وضح إلى وضح " أي : من الضوء إلى الضوء ، وقيل : من الهلال إلى الهلال وهو الوجه ، لأن سياق الحديث يدل عليه وتمامه : فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : الأواضح جمع واضحة لأن أصله وواضح قلبت الواو الأولى همزة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كانت عليها " جملة وقعت صفة لأوضاح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ورضخ " بالمعجمتين من الرضخ وهو الدق والكسر هاهنا ويجيء بمعنى الشدخ والقطعة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في آخر رمق " الرمق بقية الروح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقد أصمتت " على صيغة المعلوم وبمعنى المجهول أيضا يقال : صمت العليل وأصمت فهو صامت ومصمت إذا اعتقل لسانه وسكت ، والصموت والإصمات بمعنى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فلان " أي : أفلان الهمزة فيه مقدرة ويروى كذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن لا " أي : ليس فلان قتلني ، وكلمة أن تفسيرية في المواضع الثلاثة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فرضخ " على صيغة المجهول وقد مر معناه ، وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث هنا فروي رض رأسه بين حجرين كذا في رواية لمسلم ، وفي رواية لأبي داود عن أنس أن يهوديا قتل جارية من الأنصار على حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة ، فأخذ فأتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات ، واستدل بهذا الحديث جماعة على أن القاتل يقتل بما قتل به وهم : عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد وأبو إسحاق وأبو ثور وابن المنذر وجماعة الظاهرية .

                                                                                                                                                                                  وخالفهم آخرون وقالوا : كل من وجب عليه القود لم يقتل إلا بالسيف وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ، وقال ابن حزم وهو قول أبي سليمان : واحتجوا في ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " لا قود إلا بالسيف " روي هذا عن خمسة من الصحابة وهم أبو بكرة والنعمان بن بشير وابن مسعود وأبو هريرة وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم ، أما حديث أبي بكرة فرواه ابن ماجه من حديث الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " لا قود إلا بالسيف " وأما حديث النعمان فأخرجه ابن ماجه أيضا عن جابر الجعفي ، عن أبي عازب ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا قود إلا بالسيف " وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني في ( معجمه ) من حديث علقمة عنه مرفوعا نحوه ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني في ( سننه ) من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نحوه ، وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة " .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قال البزار في حديث أبي بكرة بعد أن أخرجه الناس يروونه عن الحسن مرسلا .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : تابعه الوليد بن صالح بن محمد الأيلي، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أبي بكرة مرفوعا .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) رواه ابن عدي في ( الكامل ) وأعله بالوليد ، وقال أحاديثه غير محفوظة ، وقال البيهقي : والمبارك بن فضالة لا يحتج به .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : أخرج له ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه ) ووثقه ، والمرسل الذي أشار إليه البزار رواه أحمد في ( مسنده ) مرفوعا ، حدثنا هشيم ، حدثنا أشعث ، عن عبد الملك ، عن الحسن مرفوعا : " لا قود إلا بحديدة " ، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا عيسى بن يونس ، عن أشعث وعمر ، وعن الحسن مرفوعا نحوه .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) في حديث النعمان عن جابر الجعفي وهو ضعيف ، وقال ابن الجوزي : اتفقوا على [ ص: 288 ] ضعفه قاله في ( التنقيح ) .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : عجبا منه ، فإنه قال في غيره : وجابر الجعفي قد وثقه الثوري وشعبة ، وناهيك بهما فكيف يقول هذا ثم يحكي الاتفاق على ضعفه ؟ هذا تناقض بين ، وأبو عازب اسمه مسلم بن عمرو .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) في سند حديث ابن مسعود عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : حديثه قد تقوى بغيره .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) في سند حديث أبي هريرة سليمان بن أرقم وهو متروك .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : في غيره كفاية .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) في سند حديث علي معلى بن هلال وهو متروك .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : المتروك قد يستعمل عند وجود المقبول ، وقد يسكت عنه لحصول المقصود بغيره ، ولا شك أن بعض هذه الأحاديث تشهد لبعض ، وأقل أحواله أن يكون حسنا فيصح الاحتجاج به ، والعجب من الكرماني حيث يقول : وفيه أي وفي حديث الباب ثبوت القصاص بالمثل خلافا للحنفية فلم لا يقول في هذه الأحاديث : لا قود إلا بالسيف خلافا للشافعية ، وأعجب منه صاحب ( التوضيح ) حيث يقول وهو حجة على أبي حنيفة في قوله : " لا يقاد إلا بالسيف " فما معنى تخصيص أبي حنيفة من بين الجماعة الذين قالوا بقوله وهم الشعبي والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ، وهؤلاء أساطين في أمور الدين ، ولكن هذا من نبض عرق العصبية الباردة .

                                                                                                                                                                                  وأجاب أصحاب أبي حنيفة عن حديث الباب بأجوبة الأول بأنه كان في ابتداء الإسلام يقتل القاتل بقول المقتول وبما قتل به ، الثاني ما قتله النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلا باعترافه ، فإن لفظ الاعتراف أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ، وفي ( صحيح مسلم ) فأخذ اليهودي فاعترف ، وفي لفظ للبخاري فلم يزل به حتى أقر ، الثالث : أنه صلى الله تعالى عليه وسلم علمه بالوحي فلذلك لم يحتج إلى البينة ولا إلى الإقرار ، والرابع : ما قاله الطحاوي : إنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله إذ كان إنما قتل على مال ، قد بين ذلك في بعض الحديث ثم روى الحديث المذكور ، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دم ذلك اليهود قد وجب لله عز وجل كما يجب دم قاطع الطريق لله تعالى ، فكان له أن يقتله كيف شاء بسيف وبغير ذلك ، الخامس : إنما كان هذا في زمن كانت المثلة مباحة كما في العرنيين ثم نسخ ذلك بانتساخ المثلة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية