الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5043 93 - حدثنا سعيد بن عفير، قال حدثني الليث، قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته فقال مالك: انطلقت حتى أدخل على عمر إذ أتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم فأذن لهم قال فدخلوا وسلموا فجلسوا، ثم لبث يرفأ قليلا فقال لعمر: هل لك في علي وعباس؟ قال نعم، فأذن لهما فلما دخلا سلما وجلسا فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.

                                                                                                                                                                                  فقال عمر: اتئدوا أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة" يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله كان قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره قال الله: " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل " إلى قوله " " قدير " " فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، قال لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم.

                                                                                                                                                                                  ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا والله [ ص: 17 ] يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتى هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل به فيها أبو بكر وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما بذلك أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط: نعم، قال: فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها فأنا أكفيكماها.


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق على أهله نفقة سنتهم" والحديث قد مضى في باب فرض الخمس بزيادة بعض الألفاظ فيه، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم بعض شيء لبعد المسافة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يرفأ" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وبالفاء مهموزا وغير مهموز.

                                                                                                                                                                                  قوله: "اتئدوا" أمر من الاتئاد وهو التأني وعدم العجلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أنشدكم " بضم الشين، أي: أسألكم بالله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لم يعطه غيره" لأن الفيء كله على اختلاف فيه كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "وما احتازها" بالحاء المهملة والزاي، أي: جمعها لنفسه دونكم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا استأثر" أي: ولا استقبل بها، ولا تفرد بها، يقال: استأثر فلان به إذا أخذه لنفسه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وبثها" أي: فرقها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هذا المال" أي: فدك، ونحوها قوله: "مجعل مال الله" أي: موضع جعل مال الله فيه، يعني: بيت المال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأنتما" مبتدأ، وقوله: "تزعمان" خبره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وأقبل على علي وعباس" جملة حالية معترضة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كذا وكذا" أي: لا يعطي ميراثنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: " والله يعلم أنه " أي: أن أبا بكر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "صادق" أي: في القول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بار" بالباء الموحدة وتشديد الراء، أي: في العمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "راشد" أي: في الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "وأمركما جميع" أي: مجتمع، أي: لم يكن بينكما منازعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من ابن أخيك" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: " وامرأته" أي: فاطمة - رضي الله تعالى عنها - قوله: "من أبيها" أي: نصيبها الكائن من أبيها وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "فقال الرهط" وهم عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد - رضي الله تعالى عنهم - قوله: " فأقبل" أي: عمر على علي وعباس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أفتلتمسان مني" أي: أفتطلبان مني قضاء، أي حكما غير ذلك، أي غير ما حكمت به.

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي: هذه القصة مشكلة فإنهما أخذاها من عمر - رضي الله تعالى عنه - على الشريطة، واعترفا بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركنا صدقة" فما الذي بدا لهما بعد ذلك حتى تخاصما؟

                                                                                                                                                                                  والمعنى فيها أنه كان يشق عليهما الشركة، فطلبا أن يقسم بينهما ليستبدل كل منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه، فمنعهما عمر القسم؛ لئلا يجري عليها اسم الملك; لأن القسمة تقع في الأملاك ويتطاول الزمان فيظن به الملكية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية