الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5156 6 - حدثنا عبدان، حدثنا عبد الله، أخبرنا معمر، أخبرنا الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا فرع ولا عتيرة" والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي، يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي، عن معمر بن راشد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الأضاحي عن محمد بن رافع وغيره، وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا فرع ولا عتيرة" قد مر الآن تفسير الفرع، والعتيرة بفتح العين المهملة [ ص: 89 ] وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وهي النسيكة التي تعتر أي تذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها الرجبية، وأوله الشافعي على أن المراد "لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة".

                                                                                                                                                                                  قلت: يرد هذا التأويل إحدى روايتي النسائي في هذا الحديث بلفظ "نهى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن الفرع والعتيرة" وقد جاء هكذا في رواية لأحمد أيضا "لا فرع ولا عتيرة" فصورته نفي ومعناه نهي.

                                                                                                                                                                                  وقد اختلفت الأحاديث في حكم الفرع والعتيرة; فروى النسائي من حديث الحارث بن عمرو أنه لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع... الحديث، وفيه قال رجل من الناس: " يا رسول الله، العتائر والفرائع؟ قال: من شاء عتر ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع" وروى النسائي أيضا من حديث أبي ذر بن لقيط بن عامر العقيلي قال: "قلت: يا رسول الله، إنا كنا نذبح في الجاهلية في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس به" وروى الطبراني في (الأوسط) من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها يوم عرفة فقال: "هي حق" يعني العتيرة، وروى أيضا فيه من حديث أنس قال: "قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا نعتر في الجاهلية، قال: اذبحوا في أي شهر كان وأطعموا" وروي أيضا فيه من حديث يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الإبل فرع، وفي الغنم فرع" وروى عبد الرزاق من حديث حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عائشة قالت: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفرع من كل خمسين واحدة، وروى الترمذي من حديث مخنف سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة يقول: "يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة " وقال: هذا حديث حسن غريب. وروى أبو داود عن نبيشة قال: "نادى رجل: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان. قال: إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ فقال: في كل سائمة فرع" قال أبو قلابة: السائمة مائة.

                                                                                                                                                                                  فهذه الأحاديث كلها تدل على الإباحة، وقال ابن بطال: وكان ابن سيرين من بين العلماء يذبح العتيرة في رجب، وفي (الآثار) للطحاوي: وكان ابن عمر يعتر. وقال النووي: الصحيح عند أصحابنا - وهو نص الشافعي - استحباب الفرع والعتيرة. وزعم القاضي عياض والحازمي أن حديث النهي ناسخ لأحاديث الإباحة وعليه جماهير العلماء، وقال ابن المنذر: ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحدا من أهل العلم يقول إن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان نهاهم عنهما - أي عن الفرع والعتيرة - ثم أذن فيهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والفرع أول النتيجة" إلى آخره، ذكر أبو قرة موسى بن طارق في (كتاب السنن) تأليفه أن تفسير العتيرة والفرع من كلام الزهري.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية