الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5248 24 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، أن ابن خباب أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث أنه كان غائبا فقدم، فقدم إليه لحم، قالوا: هذا من لحم ضحايانا، فقال: أخروه لا أذوقه قال: ثم قمت، فخرجت حتى آتي أخي أبا قتادة، وكان أخاه لأمه، وكان بدريا، فذكرت ذلك له، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 159 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 159 ] مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة، وإسماعيل هو ابن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وابن خباب هو عبد الله بن خباب الأنصاري التابعي، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى، ابن الأرت الصحابي، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.

                                                                                                                                                                                  والإسناد كله مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين على نسق: يحيى والقاسم وشيخه، وفيه صحابيان: أبو سعيد وقتادة بن النعمان الظفري بفتح الظاء المعجمة والفاء.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي، والطبراني، وأحمد، والطحاوي، ولفظه: أن أبا سعيد أتى أهله فوجد عندهم قصعة ثريد ولحم من لحم الأضحى، فأبى أن يأكله، فأتى قتادة بن النعمان أخاه، فحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحج قال: "إني كنت نهيتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم".

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقدم) بفتح القاف وكسر الدال، أي: فقدم من سفره.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقدم) بضم القاف وكسر الدال المشددة، من التقديم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى آتي أخي أبا قتادة) قال أبو علي: كذا وقع في نسخة أبي محمد والقابسي من رواية أبي زيد، وأبي أحمد، والصواب: حتى آتي أخي قتادة، وفي رواية الليث: فانطلق إلى أخيه لأمه قتادة بن النعمان، وأم أبي سعيد وقتادة أنيسة بنت أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكان بدريا) أي: ممن حضر غزوة بدر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال أبو قتادة: إنه حدث بعدك أمر) أي: أمر ناقض لما كانوا ينهون من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، وقد أخرجه أحمد من رواية محمد بن إسحاق قال: حدثني أبي، ومحمد بن علي بن حسين، عن عبد الله بن خباب مطولا، ولفظه عن أبي سعيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاث، قال: فخرجت في سفر، ثم قدمت على أهلي، وذلك بعد الأضحى بأيام، فأتتني صاحبتي بسلق قد جعلت فيه قديدا، فقالت: هذا من ضحايانا، فقلت لها: أولم ينهنا؟ قالت: إنه قد رخص للناس بعد ذلك، فلم أصدقها حتى بعثت إلى أخي قتادة بن النعمان .. فذكره، وفيه: قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك. ومثله ما ذكرناه عن النسائي، والطحاوي.

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في هذا الباب، فذهب قوم إلى تحريم لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وهم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجماعة من الظاهرية، واحتجوا فيه بما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام، وبأحاديث أخر وردت فيه، وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بأكلها وادخارها بأسا، وهم جماهير العلماء وفقهاء الأمصار، منهم الأئمة الأربعة، وأصحابهم، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وبأحاديث أخر، وقالابن التين: اختلف في النهي الوارد فيه، فقيل على التحريم ثم طرأ النسخ بإباحته، وقيل للكراهة، فيحتمل نسخها وعدمه، ويحتمل أن يكون المنع من الادخار ثبت لعلة، وارتفع لعدمها، يوضحه قوله: "وكان بالناس ذلك العام جهد".




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية