الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5314 61 - حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها فأرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك فقال: قد أعذتك مني، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه ثم قال: اسقنا يا سهل فخرجت لهم بهذا القدح فأسقيتهم فيه، فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه قال: ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فوهبه له.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "فخرجت لهم بهذا القدح فأسقيتهم فيه". ووجه المطابقة أن الترجمة في شربهم من قدح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فلو لم يكن القدح في الأصل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم توجد المطابقة، ومما يدل عليه استيهاب عمر بن عبد العزيز هذا القدح من سهل; لأنه إنما استوهبه منه لكونه في الأصل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لأجل التبرك به، وهذا شيء ظاهر لا يخفى، ولم أر أحدا من الشراح، ولا ممن يعتني ببيان التراجم ومطابقة الأحاديث لها ذكر شيئا هنا.

                                                                                                                                                                                  (بيان رجاله) سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم، أو الحكم بن محمد بن أبي مريم، واسم أبي مريم سالم الجمحي مولاهم المصري، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون اسمه محمد بن مطرف على صيغة اسم الفاعل من التطريف، وأبو حازم سلمة بن دينار، وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري، وأبو أسيد -مصغر أسد- مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأشربة عن محمد بن سهل، وأبي بكر بن إسحاق، كلاهما عن ابن أبي مريم به.

                                                                                                                                                                                  قوله: ذكر امرأة وهي الجونية بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون قيل: اسمها أميمة بضم الهمزة، وقد تقدمت قصة خطبتها في أول كتاب الطلاق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في أجم" بضم الهمزة والجيم هو بناء يشبه القصر، وهو من حصون المدينة، والجمع آجام، مثل أطم وآطام. وقال الخطابي: الأجم والأطم بمعنى، وأغرب الداودي فقال: الآجام الأشجار والحوائط. وقال الكرماني: الأجم جمع أجمة وهي الغيضة، وقال الجوهري: هو حصن بناه أهل المدينة من الحجارة وهو الصواب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فإذا امرأة" كلمة إذا للمفاجأة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "منكسة" قال الكرماني: على صيغة اسم الفاعل من الإنكاس والتنكيس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كنت أشقى من ذلك" ليس أفعل التفضيل هنا على بابه، وإنما مرادها إثبات الشقاء لها؛ لما فاتها من التزوج برسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في سقيفة بني ساعدة" وهي ساباط كانت لبني ساعدة الأنصاريين، وهو المكان الذي وقعت فيه البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فخرجت لهم بهذا القدح" هكذا هو في رواية المستملي، وفي رواية غيره "فأخرجت لهم هذا القدح".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأخرج لنا سهل" قائل هذا أبو حازم الراوي، وصرح بذلك مسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز" رضي الله تعالى عنه كان استيهابه لما كان هو متولي إمرة المدينة.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الشرب من قدحه صلى الله عليه وسلم وآنيته من باب التبرك بآثاره "لعلي أراهم أو أرى من يراهم" ومن باب الإمساك بفضله كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي في المواضع [ ص: 206 ] التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، ويدور ناقته حيث أدارها تبركا بالاقتداء به، وحرصا على اقتفاء آثاره، وفيه التبسط على الصاحب، واستدعاء ما كان عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية