الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  578 1 - حدثنا عمران بن ميسرة قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي [ ص: 103 ] قلابة، عن أنس قال: ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن بدء الأذان كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا لأنهم كانوا يصلون قبل ذلك في أوقات الصلوات بالمناداة في الطرق: الصلاة الصلاة، والدليل عليه حديث أنس أيضا رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الأذان تأليفه من حديث عطاء بن أبي ميمونة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله تعالى عنه كانت الصلاة إذا حضرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى رجل في الطريق فينادي الصلاة الصلاة فاشتد ذلك على الناس فقالوا: لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك للنصارى فقالوا: لو اتخذنا بوقا فقال: ذاك لليهود فقالوا: لو رفعنا نارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك للمجوس فأمر بلال، الحديث، وعند الطبراني من هذا الطريق (فأمر بلالا ) (فإن قلت): قد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن يزيد مع حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه فلم اختار البخاري فيه حديث أنس؟ (قلت): لأنه لم يكن على شرطه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول: عمران بن ميسرة ضد الميمنة، وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                  الثاني: عبد الوارث بن سعيد التنوري . الثالث: خالد الحذاء . الرابع: أبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي . الخامس: أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده، وفيه أن رواته بصريون.

                                                                                                                                                                                  (بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل، عن عمران بن ميسرة، وعن محمد بن سلام، وعن علي بن عبد الله، وعن سليمان بن حرب، وأخرجه مسلم في الصلاة، عن خلف بن هشام، وعن يحيى بن يحيى، وعن إسحاق بن إبراهيم، وعن محمد بن حاتم، وعن عبيد الله بن عمر، وأخرجه أبو داود فيه، عن سليمان بن حرب، وعبد الرحمن بن المبارك، وعن موسى بن إسماعيل، وعن حميد بن مسعدة، وأخرجه الترمذي فيه، عن قتيبة، عن عبد الوهاب ويزيد بن زريع، وأخرجه النسائي أيضا عن قتيبة، وأخرجه ابن ماجه فيه، عن عبد الله بن الجراح، وعن نصر بن علي .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: ( والناقوس ) وهو الذي يضربه النصارى لأوقات الصلاة، وقال ابن سيده : النقس ضرب من النواقيس وهو الخشبة الطويلة والوبيلة القصيرة، وقال الجواليقي : ينظر فيه هل هو معرب أو عربي وهو على وزن فاعول قال ابن الأعرابي : لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلا الناقوس وذكر ألفاظا أخر على هذا الوزن ولم يذكر فيها الناقوس والظاهر أنه معرب. قوله: ( فذكروا اليهود والنصارى ) وعبد الوارث اختصر هذا الحديث، وفي رواية روح بن عطاء، عن خالد، عن أبي الشيخ ولفظه: (فقالوا: لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك للنصارى، فقالوا: لو اتخذنا بوقا، فقال: ذاك لليهود فقالوا: لو رفعنا نارا فقال: ذاك للمجوس) فعلى هذا كأنه كان في رواية عبد الوارث وذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس فهذا لف ونشر غير مرتب؛ لأن الناقوس للنصارى والبوق لليهود والنار للمجوس. قوله: ( فأمر بلال ) أمر بضم الهمزة على صيغة المجهول وهذه الصيغة يحتمل أن يكون الآمر فيها غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه خلاف عند الأصوليين كما عرف في موضعه، وقال الكرماني : والصواب وعليه الأكثر أنه مرفوع لأن إطلاق مثله ينصرف عرفا إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت): مقصوده من هذا الكلام تقوية مذهبه وقوى بعضهم هذا بقوله وقد وقع في رواية روح عن عطاء فأمر بلالا بالنصب، وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم (قلت): روى البيهقي في سننه الكبير من حديث ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وأبو عوانة في صحيحه من حديث الشعبي عنه ولفظه: (أذن مثنى وأقام مثنى) وحديث أبي محذورة عند الترمذي مصححا ( علمه الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى مثنى ) وحديث أبي جحيفة أن بلالا رضي الله تعالى عنه (كان يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى) وروى الطحاوي من حديث وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن مجمع بن حارثة، عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع كان (يثني الأذان والإقامة) [ ص: 104 ] حدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا محمد بن سنان، حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد بن إبراهيم قال: (كان ثوبان رضي الله عنه يؤذن مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى) حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا قطر بن خليفة، عن مجاهد قال في الإقامة: مرة مرة إنما هو شيء أحدثه الأمراء وأن الأصل التثنية (قلت): وقد ظهر لك بهذه الدلائل أن قول النووي في شرح مسلم، وقال أبو حنيفة : الإقامة سبع عشرة كلمة وهذا المذهب شاذ قول واه لا يلتفت إليه، وكيف يكون شاذا مع وجود هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة فإن قالوا: حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس المذكور من جهة واحدة فضلا عن الجهات كلها مع أن جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة ثم رووا من طريق البخاري، عن عبد الملك بن أبي محذورة أنه سمع أبا محذورة يقول: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ) قلنا: قد ذكرنا أن الترمذي صححه وكذا ابن خزيمة وابن حبان صححا هذه اللفظة فإن قالوا: سلمنا أن هذه محفوظة وأن الحديث ثابت، ولكن نقول إنه منسوخ لأن أذان بلال هو آخر الأذانين (قلنا) لا نسلم أنه منسوخ لأن حديث بلال إنما كان أول ما شرع الأذان كما دل عليه حديث أنس وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة.

                                                                                                                                                                                  قوله: ( أن يشفع ) بفتح الياء والفاء لأنها علامة بناء الفاعل، وأما فتح العين فلأن كلمة أن نصبته، ومعناه يأتي بألفاظ الأذان مثناة.

                                                                                                                                                                                  قوله: ( ويوتر ) بالنصب عطفا على يشفع من أوتر إيتارا أي: يأتي بالإقامة فرادى.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستنبط منه) فيه التصريح بأن الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى، وبه قال الشافعي وأحمد، وحاصل مذهب الشافعي أن الأذان تسع عشرة كلمة بإثبات الترجيع، والإقامة إحدى عشرة، وأسقط مالك تربيع التكبير في أوله وجعله مثنى، وجعل الإقامة عشرة بإفراد كلمة الإقامة وقال الخطابي : والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى ومذهب عامة العلماء أن يكون لفظ قد قامت الصلاة مكررا إلا مالكا فالمشهور عنه أنه لا تكرير وقال: فرق بين الأذان والإقامة في التثنية والإفراد ليعلم أن الأذان إعلام بورود الوقت، والإقامة أمارة لقيام الصلاة ولو سوي بينهما لاشتبه الأمر في ذلك وصار سببا لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة إذا سمعوا الإقامة فظنوا أنها الأذان انتهى (قلت): العجب من الخطابي كيف يصدر عنه مثل هذا الكلام الذي تمجه الأسماع، ومثل هذا الفرق الذي بين الأذان والإقامة غير صحيح لأن الأذان إعلام الغائبين ولهذا لا يكون إلا على المواضع العالية كالمنائر ونحوها، والإقامة إعلام الحاضرين من الجماعة للصلاة فكيف يقع الاشتباه بينهما فالذي يتأمل الكلام لا يقول هذا وأبعد من ذلك قوله: إن تثنية الإقامة تكون سببا لفوات كثير من الناس صلاة الجماعة لظنهم أنها الأذان وكيف يظنون هذا وهم حاضرون لأن الإقامة إعلام الحاضرين، وبمثل هذا الكلام يحتج أحد لنصرة مذهبه وتمشية قوله وأعجب من هذا قول الكرماني قال أبو حنيفة : تثنى الإقامة والحديث حجة عليه وكيف يكون حجة عليه وقد تمسك فيما ذهب إليه بالأحاديث الصحيحة الدالة على تثنية الإقامة على ما ذكرناها عن قريب ونحن أيضا نقول هذه الأحاديث حجة على الشافعي وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه مر بمؤذن أوتر الإقامة فقال له: اشفعها لا أم لك، وروي عن النخعي أنه قال: أول من أفرد الإقامة معاوية، وقال مجاهد : كانت الإقامة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى حتى استخفه بعض أمراء الجور لحاجة لهم، وقد ذكرناه عن قريب، وقال الكرماني أيضا: ظاهر الأمر للوجوب لكن الأذان سنة (قلت): ظاهر صيغة الأمر له لا ظاهر لفظه يعني (أ م ر) وهاهنا لم تذكر الصيغة سلمنا أنه للإيجاب لكنه لإيجاب الشفع لا لأصل الأذان ولا شك أن الشفع واجب ليقع الأذان مشروعا كما أن الطهارة واجبة لصحة صلاة النفل ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان يقال: إنه فرض كفاية لأن أهل بلدة لو اتفقوا على تركه قاتلناهم أو أن الإجماع مانع عن الحمل على ظاهره (قلت): كيف يقول إن الإجماع مانع عن الحمل على ظاهره، وقد حمله قوم على ظاهره وقالوا: إنه واجب، وقال ابن المنذر : إنه فرض كفاية في حق الجماعة في الحضر والسفر، وقال مالك : يجب في مسجد الجماعة، وقال عطاء ومجاهد : لا تصح الصلاة بغير أذان وهو قول الأوزاعي وعنه يعاد في الوقت، وقال أبو علي والإصطخري : هو فرض في الجمعة، وقال الظاهرية : هما واجبان لكل صلاة، واختلفوا في صحة الصلاة بدونهما وقال داود : هما فرض الجماعة وليسا بشرط لصحتها وذكر محمد بن الحسن ما يدل على وجوبه فإنه قال: لو [ ص: 105 ] أن أهل بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه، ولو تركه واحد ضربته وحبسته وقيل: إنه عند محمد من فروض الكفاية، وفي المحيط والتحفة والهداية: الأذان سنة مؤكدة وهو مذهب الشافعي وإسحاق وقال النووي : وهو قول جمهور العلماء.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية