الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5502 58 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة ح، وحدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كساني النبي - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء، فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " فرأيت الغضب" إلى آخره. وأخرجه من طريقين; الأول: عن سليمان بن حرب، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة إلى آخره، والثاني: عن محمد بن بشار، عن غندر - وهو لقب محمد بن جعفر - عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة - بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف ثم سين مهملة - الهلالي أبي زيد الزراد بزاي وراء مشددة، وزيد بن وهب الجهني الثقة المشهور، من كبار التابعين، وما له في البخاري عن علي سوى هذا الحديث، والحديث مضى في الهبة في باب: ما يكره لبسه; فإنه أخرجه عن حجاج بن منهال، عن شعبة قال: أخبرني عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت زيد بن وهب، عن علي رضي الله تعالى عنه إلى آخره، ومضى أيضا في النفقات في باب كسوة المرأة بالمعروف; فإنه أخرجه فيه أيضا، عن حجاج، عن شعبة إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن زيد بن وهب" كذا لأكثر الرواة، ووقع في رواية علي بن السكن وحده " عن النزال بن سبرة" بدل " زيد بن وهب" قالوا: إنه وهم، كأنه انتقل من حديث إلى حديث; لأن رواية عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة، عن علي رضي الله تعالى عنه إنما هي في الشرب قائما، وقد تقدم في الأشربة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حلة سيراء" قد مر غير مرة أن الحلة إزار ورداء. وقال ابن الأثير: الحلة ثوبان إذا كانا من جنس واحد، والسيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف والراء مع المد، قال الخليل: ليس في الكلام فعلاء - بكسر أوله - سوى سيراء وحولاء، وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد، والعنباء لغة في العنب، وقال مالك: هو الوشي من الحرير. والوشي بفتح الواو وسكون الشين المعجمة بعدها ياء آخر الحروف، وقال الأصمعي: ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل لها: سيراء؛ لتسيير الخطوط فيها، وقال الخليل: ثوب مضلع بالحرير. وقيل: مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور، وقال الجوهري: برد فيه خطوط صفر. واختلف في "حلة سيراء" هل هو بالإضافة أم لا؟ فوقع عند الأكثرين تنوين "حلة" على أن السيراء عطف بيان أو صفة، وجزم القرطبي بأنه الرواية، وقال الخطابي: قالوا: حلة سيراء كما قالوا: ناقة عشراء. ونقل عياض عن أبي مروان بن سراج أنه بالإضافة، قال عياض: وكذا ضبطناه عن متقني شيوخنا، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية، وأنه من إضافة الشيء إلى صفته، كما قالوا: ثوب خز.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فخرجت فيها"، وفي رواية أبي صالح عن علي: " فلبستها".

                                                                                                                                                                                  قوله: " فرأيت الغضب في وجهه"؛ أي: في وجه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وزاد مسلم في رواية أبي صالح، فقال: إني لم أبعثها إليك لتلبسها، وإنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء. وفي أخرى شققتها خمرا بين الفواطم، وقال ابن قتيبة: المراد بالفواطم: فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت [ ص: 18 ] أسد بن هاشم، أم علي رضي الله تعالى عنهما، ولا أعرف الثالثة. وقد روى الطحاوي، حدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا يعقوب بن حميد قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة، عن جعدة، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أهدى أمير أذربيجان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حلة مسيرة بحرير إما سداها وإما لحمتها، فبعث بها إلي، فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ألبسها؟ قال: لا، أكره لك ما أكره لنفسي، اجعلها خمرا بين الفواطم. قال: فقطعت منها أربع خمر; خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم، أم علي بن أبي طالب، وخمارا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها. انتهى. وقال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت شيبة بن ربيعة. وقيل: بنت عتبة بن ربيعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فشققتها بين نسائي"؛ أي: قطعتها ففرقتها عليهن، " خمرا" بضم الخاء المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، والمراد بنسائي ما فسره في رواية أبي صالح؛ حيث قال: " بين الفواطم" قاله هكذا بعضهم. قلت: المراد بنسائي: النساء اللاتي يقربن منه، وهي الفواطم المذكورة; ولهذا ذكره بالإضافة إلى نفسه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية