الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5631 7 - حدثني إسحاق، حدثنا خالد الواسطي، عن الجريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " وعقوق الوالدين".

                                                                                                                                                                                  وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي، وخالد هو ابن عبد الله الطحاوي الواسطي. والجريري، بضم الجيم وفتح الراء الأولى، نسبة إلى جرير بن عباد، أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن [ ص: 88 ] وائل هو سعيد بن إياس البصري، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، يروي عن أبيه أبي بكرة نفيع، مصغر نفع، الثقفي.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الشهادات في باب: ما قيل في شهادة الزور، فإنه أخرجه هناك من طريقين، ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألا أنبئكم؟" وفي رواية الاستئذان: "ألا أخبركم؟"، وكلاهما بمعنى واحد، وفي رواية الترمذي: "ألا أحدثكم؟"، وفيه دليل على أنه ينبغي للعالم أن يعرض على أصحابه ما يريد أن يخبرهم به، إما لأجل الحض على التفريغ والاستماع له، وإما لسبب يقتضي التحذير مما يحذرهم، وإما للحض على الإتيان بما فيه صلاحهم. قوله: " بأكبر الكبائر"؛ أي: بأعظم الذنوب الكبائر، وفي بعض النسخ قال: الكبائر ثلاثا؛ أي: قالها ثلاث مرات على عادته في التكرير؛ تأكيدا لتنبيه السامع على إحضار قلبه وفهمه للذي يقوله، ولا يظن أن المراد به عدد الكبائر وهو بعيد. قوله: " قال: الإشراك بالله"؛ أي: أحد الكبائر الإشراك بالله، وهذا ليس على ظاهره من الحصر؛ لأنه قد وردت أحاديث كثيرة تخبر بأكبر الكبائر على ما ذكرناه عن قريب، فحينئذ تقدر فيه كلمة "من" عوض الباء؛ أي: من أكبر الكبائر، وهكذا جاءت في أحاديث قد ذكرناها. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يراد بقوله: "الإشراك بالله" مطلق الكفر، ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود. قوله: " وعقوق الوالدين" قد مر تفسيره عن قريب، قال الكرماني: العقوق كبيرة؛ لأنها ما توعد عليها الشارع بخصوصها، فما وجه كونه أكبرها؟ وأجاب بقوله: لأن الوالد، بحسب الظاهر، كالموجد له صورة؛ ولهذا قرن الله عز وجل الإحسان إليه بتوحيده فقال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا

                                                                                                                                                                                  قوله: " وكان متكئا"؛ أي: قال صلى الله عليه وسلم ما قاله من صدر الحديث حال كونه متكئا، فجلس فقال: "ألا وقول الزور"، وكلمة "ألا" كلمة تنبيه وتحضيض لضبط ما يقال وفهمه على وجهه، والزور في الأصل: الانحراف، وفي الاستعمال: هو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق، وإنما كرره بهذا الوجه; لأن الدواعي إليه كثيرة وأسهل وقوعا على الناس، والشرك ينبو عنه المسلم، وعقوق الوالدين ينبو عنه الطبع. قوله: " وشهادة الزور" عطف على قوله: " وقول الزور" عطف تفسير; لأن قول الزور أعم من أن يكون كفرا، ومن أن يكون شهادة، أو كذبا آخر من الكذبات، وقيل: المراد بقول الزور هنا الكفر; فإن الكافر شاهد بالزور وقائل به. قلت: هذا فهم من قوله: " الإشراك بالله". قوله: " حتى قلت: لا يسكت"؛ القائل هو أبو بكرة، وفي رواية الترمذي: "فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حتى قلنا: ليته سكت؛ إشفاقا عليه".




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية