الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5647 22 - حدثنا حبان، أخبرنا عبد الله، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، عن أم خالد بنت خالد بن سعيد، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنه سنه، قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي. قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر، يعني من بقائها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فذهبت ألعب". وقال ابن التين: ليس المراد في الخبر المذكور في الباب للتقبيل ذكر. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون أخذه من القياس، فإنه لما لم ينهها عن مس جسده؛ صار كالتقبيل، وفيه تأمل. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي، شيخ مسلم أيضا، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. وعبد الله هو ابن المبارك المروزي. وخالد بن سعيد يروي عن أبيه سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي، وهو من أفراد البخاري، وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وهي مشهورة بكنيتها، واسمها أمة وأمها أميمة، ويقال: هميمة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة، من خزاعة، تزوج أمة بنت خالد بن الزبير بن العوام، وخالد بن سعيد المذكور أسلم قديما، يقال: إنه أسلم بعد أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ فكان ثالثا أو رابعا، وقيل: خامسا، هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية وولد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته أم خالد، وحديث أم خالد هذه قد تقدم بوجوه مختلفة في الجهاد وهجرة الحبشة وفي اللباس. قوله: " سنه" بفتح السين المهملة وتخفيف النون، قال الكرماني: وقيل بتشديدها. قوله: " بخاتم النبوة" هو ما كان مثل زر الحجلة بين كتفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قوله: " فزبرني"؛ أي: نهرني، من الزبر، بالزاي في أوله والباء الموحدة، وهو الزجر والمنع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أبلي وأخلقي" كلاهما أمر؛ فـ"أبلي" من أبليت الثوب؛ إذا جعلته عتيقا، و"أخلقي" من الإخلاق، ومن الثلاثي أيضا بمعناه.وقال الداودي: يستفاد منه مجيء "ثم" للمقارنة، ومنعه بعض النحاة فقالوا: لا تأتي إلا للتراخي. وقال ابن التين: ما علمت أن أحدا قال: إن "ثم" للمقارنة، وإنما هي للترتيب، بالمهملة؛ قال: وليس في الحديث ما ادعاه من المقارنة; لأن الإبلاء يكون بعد الخلق أو الخلف. وقال بعضهم: لعل الداودي أراد بالمقارنة العاقبة فيتجه بعض اتجاه. قلت: آفة التصرف من الفهم السقيم، فهل المعاقبة إلا المقارنة؟ قلت: قد جوز بعض النحاة مجيء "ثم" بمعنى الواو، واستدل بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه".

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال عبد الله" هو ابن المبارك المذكور، وهو متصل بالإسناد المذكور. قوله: " فبقيت"؛ أي: أم خالد المذكورة. هذه رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: "فبقي"؛ أي: الثوب، وهو القميص المذكور. قوله: " حتى ذكر"؛ أي: القميص، أي: حتى صار مذكورا بين الناس لخروج بقائه عن العادة. قاله الكرماني. وقال بعضهم بعد أن ذكر ما قاله الكرماني: فإنه قرأ "ذكر" بضم أوله، لكنه لم يقع عندنا في الرواية إلا بالفتح! قال: ووقع في رواية أبي علي بن السكن: "حتى ذكر دهرا"، وهو يؤيد ما قدمته. انتهى. قلت: الذي قاله الكرماني هو الصحيح; لأن قوله: " حتى ذكر" مجهول؛ لأن المعنى على هذا، وإذا جعل معلوما، ما يكون فاعله؟! وكلام ابن السكن يؤيد كلام الكرماني، ولا يقرب مما قاله هذا القائل فضلا عن أن يؤيده. وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: "حتى دكن" بدال مهملة وكاف مكسورة وبنون؛ أي: حتى صار أدكن؛ أي أسود، والمعنى حتى دكن القميص. وقال الكرماني: أي عاشت أم خالد عيشا طويلا حتى تغير لون قميصها إلى الاسوداد، والدكنة لون يضرب إلى السواد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يعني من بقائها"؛ يعني كون هذا القميص مذكورا دهرا من أجل بقائها؛ أي من أجل بقاء أم خالد زمانا طويلا، وفيه معجزة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وفيه جواز مباشرة الرجل الصغيرة التي [ ص: 98 ] لا يشتهى مثلها، وممازحتها وإن لم تكن منه بذات محرم، وكان مزح النبي صلى الله عليه وسلم حقا؛ فمن ذلك يجوز المزح إذا كان حقا، وأما إذا كان بغير حق فإنه يؤدي إلى الفاحشة؛ فلا يجوز. وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه؛ حيث لم ينهر أم خالد عن لعب خاتم النبوة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية