الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5653 28 - حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث.

                                                                                                                                                                                  وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم. وأبو غسان محمد بن مطرف. وزيد بن أسلم يروي عن أبيه أسلم الحبشي البجاوي، مولى عمر بن الخطاب، والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن حسن الحلواني ومحمد بن سهل، كلاهما، عن ابن أبي مريم. قوله: " قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سبي"؛ أي: أسر من الغلمان والجواري، وسبيته سبيا؛ إذا حملته من بلد إلى بلد. وقوله: " قدم" على صيغة المعلوم، فعل ماض، و"سبي" بالرفع، فاعله. وفي رواية الكشميهني: " قدم بسبي" على صيغة المجهول، وبالباء الموحدة في سبي، وكان هذا من سبي هوازن. قوله: " تحلب" على وزن تفعل، بالتشديد، على صيغة المعلوم. قوله: " ثديها" بالرفع، فاعله، ومعناه: تهيأ لأن تحلب، و"ثديها" بالإفراد في رواية الكشميهني، وفي رواية الباقين: "ثدياها" بالتثنية. قوله: " تسقي" من السقي، بالسين المهملة والقاف. وفي رواية المستملي والسرخسي: " تحلب" بضم اللام مضارع "حلب"، و"ثديها" بالنصب. وفي رواية الكشميهني: "بسقي" بكسر الباء الموحدة وفتح السين المهملة وكسر الياء آخر الحروف وبالتنوين، وفي رواية الباقين: " تسعى" بالعين المهملة من السعي، وهو المشي بسرعة، وفي رواية مسلم: " تبتغي" من الابتغاء، وهو الطلب. قال عياض: وهو وهم. وقال النووي: كل منهما صواب؛ لأنها [ ص: 101 ] ساعية وطالبة لولدها. قوله: " إذ وجدت صبيا"؛ كلمة "إذ" ظرف، ويجوز أن يكون بدل اشتمال من "امرأة"، وفي بعض النسخ: " إذا وجدت صبيا" إلى قوله: " فقال لنا" معناه إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته، فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها، وعلم من هذا أنها كانت فقدت صبيا، وكانت إذا وجدت صبيا أرضعته ليخف عنها اللبن; فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته وألصقته ببطنها؛ من فرحها بوجدانه. قوله: " أترون" بضم التاء؛ أي: أتظنون. قوله: " وهي تقدر على أن لا تطرحه"؛ أي: طائقة ذلك. قوله: " لله" اللام فيه للتأكيد، وهي مفتوحة، وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي: "فقال: والله أرحم.." إلى آخره. قوله: " بعباده"؛ قيل: لفظ العباد عام ومعناه خاص بالمؤمنين، وهو كقوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون فهي عامة من جهة الصلاحية، وخاصة بمن كتبت له، والظاهر أنها على العموم لمن سبق له منها نصيب من أي العباد كان، حتى الحيوانات، على ما يجيء في حديث الباب الآتي حيث قال فيه: " وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق.." الحديث.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية