الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5755 131 - حدثنا محمد بن عبادة، أخبرنا يزيد، أخبرنا سليم، حدثنا عمرو بن دينار، حدثنا جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل، فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، أفتان [ ص: 159 ] أنت، ثلاثا، اقرأ: {والشمس وضحاها} و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عذر معاذا في قوله: " إنه منافق"; لأنه كان متأولا وظانا أن التارك للجماعة منافق.

                                                                                                                                                                                  ومحمد بن عبادة، بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة، الواسطي. ويزيد هو ابن هارون. وسليم، بفتح السين المهملة وكسر اللام، ابن حيان، من الحياة أو من الحين منصرفا وغير منصرف.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة، وفي باب: من شكا إمامه إذا طول مطولا، ومر الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فيصلي به الصلاة"، ويروى: " صلاة" وكانت هذه الصلاة صلاة العشاء. ولأبي داود والنسائي أنها كانت المغرب، وقال البيهقي: روايات العشاء أصح. قوله: " فتجوز" بالجيم؛ أي: خفف، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون بالحاء؛ أي: انحاز وصلى وحده، ويؤيد هذا رواية مسلم: " فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ثم انصرف".

                                                                                                                                                                                  وقال البيهقي: قوله: " فسلم" لا أدري هل حفظت أم لا؛ لكثرة من رواه عن سفيان بدونها، وانفرد بها محمد بن عبادة، عن سفيان. قوله: " بنواضحنا" جمع ناضح، وهو البعير الذي يستقى عليه. قوله: " ثلاثا"؛ أي: فقال: " أفتان يا معاذ"، ثلاث مرات.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب التوضيح: صلاة معاذ بقومه فيه دلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وانتصر ابن التين لمذهبه فقال: يحتمل أن يكون جعل صلاته مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نافلة، ويحتمل أن يكون لم يعلم الشارع بذلك، وما أبعدهما، وكيف يظن بمعاذ أن يؤخر الفرض ليصليها بقومه، ويؤثر النفل خلفه؟! وكيف يدعي أن الشارع لم يعلم بذلك مع أنه اشتكى إليه؟! وقال: " أفتان أنت يا معاذ؟!" انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا الكلام غير موجه; لأنه التبس بفوت الفضيلة معه صلى الله عليه وسلم في سائر أئمة مساجد المدينة، وفضيلة النافلة خلفه، مع أن أداء الفرض مع قومه يقوم مقام أداء الفريضة خلفه، وامتثال أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في إمامة قومه زيادة طاعة.

                                                                                                                                                                                  والحديث المذكور منسوخ؛ قال الطحاوي: يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين؛ فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام، ثم ذكر حديث ابن عمر: " لا يصلى صلاة في يوم مرتين" قيل: لا يثبت النسخ بالاحتمال، وأجيب بأنه إذا كان ناشئا عن دليل يعمل به. وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عن ذلك، وهكذا ذكره المهلب، والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية