الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6001 55 - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة، فغضب فصعد المنبر، فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم، فجعلت أنظر يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي، فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: حذافة، ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، نعوذ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء [ ص: 311 ] الحائط، وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "نعوذ بالله من الفتن". وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن معاذ بن فضالة، وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن حبيب وعن بندار، ومضى الكلام فيه أيضا مختصرا في كتاب العلم عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟.. الحديث. قوله: "أحفوه" بالحاء المهملة والفاء؛ أي: ألحوا عليه في السؤال وأكثروا السؤال عنه، ويقال: أحفيته؛ إذا حملته على أن يبحث عن الخبر، ويقال: أحفى وألحف، وقال الداودي: يريد: سألوه عما يكره الجواب فيه؛ لئلا يضيق على أمته، وهذا في مسائل الدين لا في مسائل المال. قوله: "فجعلت أنظر" القائل به أنس رضي الله تعالى عنه. قوله: "فإذا" كلمة المفاجأة. قوله: "لاف رأسه" قال الكرماني: لاف، بالرفع والنصب. قلت: أما الرفع؛ فعلى أنه خبر المبتدأ، وهو قوله: "كل رجل"، وأما النصب؛ فعلى أنه حال من "رجل"، وقوله: "يبكي" على هذا هو خبر قوله: "فإذا كل رجل" وعلى الرفع يكون جملة حالية. قوله: "فإذا رجل" اسمه عبد الله. قوله: "إذا لاحى الرجال"؛ أي: إذا خاصم، من الملاحاة، وهي المخاصمة والمنازعة. قوله: "يدعى" على صيغة المجهول؛ أي: كان ينسب إلى غير أبيه، فقال: يا رسول الله؛ أي: فقال الرجل: من أبي؟ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أبوك حذافة، وحكم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بأنه أبوه إما بالوحي، أو بحكم الفراسة، أو بالقيافة، أو بالاستلحاق، ولما رجع عبد الله إلى أمه قالت له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: كنا أهل جاهلية، وإني كنت لا أعرف أبي من كان؟

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم أنشأ عمر"؛ أي: طفق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة نبينا، واكتفينا به عن السؤال. وإنما قال ذلك؛ إكراما لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وشفقة على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالتكثير عليه، وفيه أن غضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس مانعا عن القضاء لكماله، بخلاف سائر القضاة، وفيه فهم عمر رضي الله تعالى عنه وفضل علمه; لأنه خشي أن تكون كثرة سؤالهم كالتعنت له.

                                                                                                                                                                                  وفيه أنه لا يسأل العالم إلا عند الحاجة. قوله: "كاليوم"؛ أي: يوما مثل هذا اليوم. قوله: "وراء الحائط"؛ أي: حائط محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية