الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6007 61 - حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر وعذاب القبر ، ومن فتنة النار وعذاب النار ، ومن شر فتنة الغنى ، وأعوذ بك من فتنة الفقر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " والمأثم والمغرم " ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري ، وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة ، والحديث من أفراده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومن فتنة القبر " هي سؤال منكر ونكير ، وعذاب القبر بعده على المجرمين ، فكان الأول مقدمة للثاني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومن فتنة النار " هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ قال تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وعذاب النار بعده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومن شر فتنة الغنى " هي نحو الطغيان والبطر وعدم تأدية الزكاة ، وإنما ذكر فيه لفظ الشر ولم يذكره في الفقر ونحوه تصريحا بما فيه من الشر وأن مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على الأغنياء حتى لا يغتروا بغنائهم ولا يغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى صور أخواته الأخر ، فإنها لا خير فيها بخلاف صورته ، فإنها قد تكون خيرا ، قال ذلك كله الكرماني ، وقال بعضهم : بعد أن نقله ، وكل هذا غفلة عن الواقع ، والذي ظهر لي أن لفظ الشر ثابت في الموضعين ، وإنما اختصرها بعض الرواة .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا غفلة من حيث إنه ادعى اختصار بعض الرواة بغير دليل على ذلك ، ثم قال : وسيأتي بعد هذا بلفظ : شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر ، وهذا الكلام لا يساعده فيما قاله لأن للكرماني أن يقول : يحتمل أن يكون لفظ شر في فتنة الفقر مدرجا من بعض الرواة على أنه لم ينف مجيء لفظ شر في غير الغنى ، ولا يلزمه هذا لأنه في صدد بيان هذا الموضع خاصة الذي وقع كذا قوله : " وأعوذ بك من فتنة الفقر " لأنه ربما يحمله على مباشرة ما لا يليق بأهل الدين والمروءة ، ويهجم على أي حرام كان ولا يبالي ، وربما يحمله على التلفظ بكلمات تؤديه إلى الكفر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومن فتنة المسيح الدجال " المسيح بفتح الميم وكسر السين وبكسرهما مع تشديد السين ، فمن شدد فهو من ممسوح العين ، ومن خفف فهو من السياحة [ ص: 6 ] لأنه يمسح الأرض أو لأنه ممسوح العين اليمنى أي : أعور ، وقال ابن فارس : المسيح الذي أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب ، والدجال من الدجل وهو التغطية لأنه يغطي الأرض بالجمع الكثير أو لتغطيته الحق بالكذب أو لأنه يقطع الأرض .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خطاياي " جمع خطيئة ، وأصل خطايا خطائتي على وزن فعائل ، ولما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء لأن قبلها كسرة ثم استثقلت ، والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك ، فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بماء الثلج والبرد " خصهما بالذكر لنقائهما ولبعدهما من مخالطة النجاسة ، والبرد بفتح الباء الموحدة والراء حب الغمام تقول : منه بردت الأرض .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ونق " أمر من نقى ينقي تنقية ، وذكره للتأكيد ، وقال الداودي : هو مجاز يعني كما يغسل ماء الثلج وماء البرد ما يصيبه ( قيل ) : العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغسل يغسل بالماء الحار لا بالبارد ولا سيما الثلج ونحوه ، وأجاب الخطابي بأن هذه أمثال لم يرد بها أعيان المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا ، والمبالغة في محوها عنه ، والثلج والبرد ماءان مقصوران على الطهارة لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما استعمال ، فكان ضرب المثل بهما أوكد في بيان ما أراده من التطهير ، وقال الكرماني : يحتمل أنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مؤدية إليها ، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء ، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء فيه إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من الدنس " وهو الوسخ .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وباعد " يعني أبعد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية