الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6012 66 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرنا ابن شهاب ، عن عامر بن سعد ، أن أباه قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من شكوى أشفيت منه على الموت ، فقلت : يا رسول الله بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فبشطره ؟ قال : الثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت ، حتى ما تجعل في في امرأتك ، قلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟ قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة قال سعد : رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال بعضهم : هذا يتعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الوجع .

                                                                                                                                                                                  قلت : الترجمة الدعاء برفع الوجع وليس في الحديث هذا ، والمطابقة ليست متعلقة بمجرد ذكر الوجع حتى يقول هذا القائل ما قاله ، ويمكن أن يؤخذ وجه المطابقة هنا من قوله : اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم ، فإن فيه إشارة لسعد بالعافية ليرجع إلى دار هجرته وهي المدينة .

                                                                                                                                                                                  وذكر هذا الحديث في مواضع في الجنائز عن عبد الله بن يوسف ، وفي الوصايا عن أبي نعيم عن سفيان ، وفي المغازي عن أحمد بن يونس ، وفي الهجرة عن يحيى بن قزعة ، وفي الطب عن موسى بن إسماعيل ، وفي الفرائض عن أبي اليمان ، وهنا أخرجه أيضا عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عادني " أي : زارني لأجل مرض حصل لي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من شكوى " أي : من مرض وهو غير منصرف .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أشفيت منه " أي : أشرفت منه على الموت ودنوت منه ، ومراده به المبالغة في شدة مرضه ، ويروى أشفيت منها أي : من الشكوى وهو الظاهر ، ورواية منه باعتبار المرض .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلا ابنة لي واحدة " واسمها عائشة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ذو مال " أي : صاحب مال ، وكان حصل له من الفتوحات شيء كثير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فبشطره " أي : نصفه ، وكثير بالثاء المثلثة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن تذر " بالذال المعجمة أي : أن تترك ، وقيل : لأن تذر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عالة " هو جمع العائل وهو الفقير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يتكففون الناس " أي : يمدون أكفهم إلى الناس بالسؤال .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في في امرأتك " أي : في فم امرأتك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أخلف " يعني في مكة أبقى بعدهم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لن تخلف " على صيغة المجهول ، قوله : " فتعمل " بالنصب عطف عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام " فيه إشارة إلى طول عمره وهو من المعجزات ، فإنه عاش حتى فتح العراق وانتفع به أقوام وأراد بهم المسلمين ، وقوله : " ويضر بك " على صيغة المجهول آخرون ، أي : أقوام آخرون وأراد بهم المشركين ، وقيل : إن عبيد الله أمر عمر بن سعد ولده على الجيش الذين لقوا الحسين رضي الله تعالى عنه فقتلوه بأرض كربلاء وقصته مشهورة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أمض " بفتح الهمزة يقال : أمضيت الأمر أي : أنفذته أي : تمم الهجرة لهم ولا تنقصها عليهم ، وقال الداودي : [ ص: 9 ] لم يكن للمهاجرين الأولين أن يقيموا بمكة إلا ثلاثة أيام بعد الصدر ، فدعا لهم بالثبات على ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لكن البائس " بالباء الموحدة وهو من أصابه البؤس أي : الفقر وسوء الحال ، وقال الكرماني : البائس شديد الحاجة وهو منصوب بقوله : " لكن " إن كانت مشددة هو وخبره قوله : " سعد بن خولة " وإن كانت مخففة يكون البائس مبتدأ وخبره سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي من أنفسهم عند البعض ، وحليف لهم عند آخرين ، وكان من مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية في قول الواقدي ، وإنما رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه مات بمكة وهي الأرض التي هاجر منها ، وفي ( التوضيح ) وإنما رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قال : كل من هاجر من بلده يكون له ثواب الهجرة من الأرض التي هاجر منها إلى الأرض التي هاجر إليها إلى يوم القيامة ، فحرم ذلك لما مات بمكة ، وقيل : رجع إلى مكة بعد شهوده بدرا ، وقد أطال المقام بها بغير عذر ، ولو كان له عذر لم يأثم ، وكان موته في حجة الوداع ، وقد قال ابن مزين من المالكية : إنما رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أسلم وأقام بمكة ولم يهاجر وأنكروا ذلك عليه لأنه معدود من البدريين عند أهل الصحيح كما ذكره البخاري وغيره .

                                                                                                                                                                                  وقوله : قال سعد أي : سعد بن أبي وقاص : رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد قول من زعم أن في الحديث إدراجا ، وأن قوله : " رثى له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من قول الزهري .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ورد في بعض طرقه وفيه قال الزهري إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا يرجع إلى اختلاف الرواة عن الزهري ، هل وصل هذا القدر عن سعد أو قال من قبل نفسه ، والحكم للوصل لأنه مع راويه زيادة علم وهو حافظ .

                                                                                                                                                                                  قوله : " رثى له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي : ترحم عليه ورق له من جهة وفاته بمكة وهو معنى قوله : " من أن توفي بمكة ، أي : من أجل أنه مات بمكة التي هاجر منها ، وكان يتمنى أن يموت بغيرها فلم يعط متمناه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية