الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6098 50 - حدثنا آدم ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة ، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة ، والقصد القصد تبلغوا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو قوله : " القصد " .

                                                                                                                                                                                  وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن ، وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور هو محمد بن عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                  والحديث من أفراده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لن ينجي " من التنجية أو من الإنجاء ، ومعناه لن يخلص ، والنجاة من الشيء التخلص منه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أحدا " منصوب على المفعولية وعمله بالرفع فاعل ينجي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولا أنا " قال الكرماني : إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة إلا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر هو أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ولا يدخلها إلا برحمة الله ، فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلا أن يتغمدني الله " أي : إلا أن يسترني الله برحمته ، يقال : تغمده الله برحمته إذا ستره بها ، ويقال : تغمدت فلانا أي : سترت ما كان منه وغطيته ، ومنه غمد السيف لأنك إذا غمدته فقد سترته في غلافه ، وفي رواية سهيل : إلا أن يتداركني ، والاستثناء منقطع ويحتمل أن يكون متصلا من قبيل قوله تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى قيل : كيف الجمع بينه وبين قوله : وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ؟ وأجاب ابن بطال بما ملخصه : إن الآية تحمل على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال وأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال ، ويحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى : سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالأعمال ، وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث ، والتقدير : ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون .

                                                                                                                                                                                  قوله : " برحمة " وفي رواية أبي عبيد : بفضل ورحمة ، وفي رواية الكشميهني من طريقه : بفضل رحمته ، وفي رواية الأعمش بفضل ورحمة ، وفي رواية ابن عون : بمغفرة ورحمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " سددوا " وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم : ولكن سددوا ، ومعناه اقصدوا السداد أي : الصواب ، وقال الكرماني : التسديد بالمهملة من السداد وهو القصد من القول والعمل واختيار الصواب منهما .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقاربوا " أي : لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال [ ص: 64 ] فتتركوا العمل فتفرطوا ، وقال الكرماني : أي : لا تبلغوا الغاية بل تقربوا منها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " واغدوا " من الغدو وهو السير من أول النهار ، والرواح السير من أول النصف الثاني من النهار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وشيء من الدلجة " أي : استعينوا ببعض شيء من الدلجة بضم الدال وإسكان اللام ، ويجوز في اللغة فتحها ، ويقال : بفتح اللام أيضا وهو بالضم السير آخر الليل ، وبالفتح سير الليل ، وقد بسطنا الكلام فيه في باب الدين يسر في كتاب الإيمان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والقصد القصد " بالنصب على الإغراء أي : الزموا الطريق الوسط المعتدل تبلغوا المنزل الذي هو مقصدكم، شبه المتعبدين بالمسافرين فقال : لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل ، وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم ، قال الله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية