الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6154 106 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في أول الحديث . ومحمد بن مقاتل المروزي ، وعبد الله : هو ابن المبارك المروزي ، ويونس : هو ابن يزيد ، والزهري : محمد بن مسلم . والحديث أخرجه البخاري في التوحيد أيضا عن أحمد بن صالح ، وأخرجه مسلم في التوبة عن حرملة ، وأخرجه النسائي في النعوت عن سويد بن نصر وغيره ، وفي التفسير عن يونس بن عبد الأعلى ، وأخرجه ابن ماجه في السنة عن حرملة بن يحيى وغيره ، والحديث من المتشابهات .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ويطوي السماء " أي : يذهبها ويفنيها ، ولا يراد بذلك طي بعلاج وانتصاب ، إنما المراد بذلك الإذهاب والإفناء ، يقال : انطوى عنا ما كنا فيه ، أي : ذهب وزال ، والأصل الحقيقة . قوله : بيمينه ، أي : بقدرته . وقال القرطبي : يده عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته ، واليد تأتي لمعان كثيرة ، بمعنى القوة ومنه قوله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد وبمعنى الملك ومنه قوله تعالى : قل إن الفضل بيد الله وبمعنى النعمة تقول : كم يد لي عند فلان ، أي : كم من نعمة أسديتها إليه ، وبمعنى الصلة ومنه قوله تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وبمعنى الجارحة ، ومنه قوله تعالى : وخذ بيدك ضغثا وبمعنى الذل ومنه قوله تعالى : حتى يعطوا الجزية عن يد قال الهروي : أي : عن ذل ، وقوله تعالى : يد الله فوق أيديهم قيل : في الوفاء ، وقيل : في الثواب ، وفي الحديث " هذه يدي لك " ، أي : استسلمت لك وانقدت لك ، وقد يقال ذلك للعاتب ، واليد الاستسلام ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                  أطاع يدا بالقول فهو ذلول

                                                                                                                                                                                  أي : انقاد واستسلم ، واليد السلطان ، واليد الطاعة ، واليد الجماعة ، واليد الأكل ، واليد الندم ، وفي الحديث " وأخذ بهم يد البحر " يريد طريق الساحل ، ويقال للقوم إذا تفرقوا وتمزقوا في آفاق : صاروا أيدي سبأ ، واليد السماء ، واليد الحفظ والوقاية ، ويد القوس أعلاها ، ويد السيف قبضته ، ويد الرحى العود الذي يقبض عليه الطاحن ، ويد الطائر جناحه ، وقالوا : لا آتيه يد الدهر ، أي : الدهر ، ولقيته أول ذات يدي ، أي : أول شيء ، وفي الحديث " اجعل الفساق يدا يدا ورجلا رجلا " أي : فرق بينهما في الهجرة ، واليد الطاعة ، وابتعت الغنم بيدين أي : بثمنين مختلفين ، ويد الثوب ما فضل منه إذا تعطفت به والتحقت ، وأعطاه عن ظهر يد ، أي : ابتداء لا عن بيع ولا مكافأة ، ويد الشيء أمامه ، وهذا [ ص: 102 ] عيش يد ، أي : واسع ، وبايعته يدا بيد ، أي : بالنقد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض " وعند هذا القول انقطاع زمن الدنيا ، وبعده يكون البعث والحشر والنشر ، وقيل : " إن المنادي ينادي بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله عليها : لمن الملك اليوم ، فيجيبه العباد : لله الواحد القهار " ، رواه أبو وائل عن ابن مسعود ، وأخرجه النحاس ، فإن قلت : جاء في حديث الصور الطويل إن جميع الأحياء إذا ماتوا بعد النفخة الأولى ولم يبق إلا الله قال سبحانه : " أنا الجبار لمن الملك اليوم ، فلا يجيبه أحد ، فيقول الله سبحانه وتعالى : لله الواحد القهار " . قلت : يمكن الجمع بينهما بأن ذلك يقع مرتين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية