الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  636 [ ص: 193 ] 59 - حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته أيضا للترجمة ظاهرة، وهذا الحديث قد مر مطولا في باب المساجد في البيوت عن سعيد بن عفير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع الأنصاري الحديث، وإسماعيل شيخ البخاري هنا هو ابن أبي أويس .

                                                                                                                                                                                  قوله: ( محمود بن الربيع ) بفتح الراء، وعتبان بكسر العين المهملة، وسكون التاء المثناة من فوق، وبالباء الموحدة. قوله: ( إنها )، أي إن القصة أو أن الحالة. قوله: (تكون) تامة لا تحتاج إلى الخبر. قوله: ( والسيل ) سيل الماء. قوله: ( أتخذه ) بالرفع والجزم. قوله: ( مصلى ) بضم الميم أي موضعا للصلاة، وقال الكرماني : الظلمة هل لها دخل في الرخصة أم السيل وحده يكفي فيها؟ فأجاب بأنه لا دخل لها، وكذا ضرارة البصر بل كل واحد من الثلاثة عذر كاف في ترك الجماعة، لكن عتبان جمع بين الثلاثة بيانا لتعدد أعذاره ليعلم أنه شديد الحرص على الجماعة لا يتركها إلا عند كثرة الموانع.

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد جواز إمامة الأعمى، وترك الجماعة للعذر، والتماس دخول الأكابر منزل الأصاغر، واتخاذ موضع معين من البيت مسجدا، وغيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: ( في حديث ابن عمر : ثم قال ) هذا مشعر بأنه قاله بعد الأذان، وتقدم في باب الكلام في الأذان أنه كان في أثناء الأذان، فعلم منه جواز الأمرين، وقوله: ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن ) محتمل لهما لا تخصيص له بأحدهما. قوله: ( ذات برد ) بسكون الراء، وكذلك حكمه في ليلة ذات برد بفتح الراء، وقال الكرماني : ابن عمر أذن عند الريح والبرد، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند المطر البرد، فما وجه استدلاله؟ فأجاب بأنه قاس الريح على المطر بجامع المشقة، ثم قال: هل يكفي المطر فقط أو الريح أو البرد في رخصة ترك الجماعة أم يحتاج إلى ضم أحد الأمرين بالمطر؟ فأجاب بأن كل واحد منها عذر مستقل في ترك الحضور إلى الجماعة نظرا إلى العلة، وهي المشقة، والله أعلم بحقيقة الحال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية