الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6175 [ ص: 116 ] 128 - حدثنا عمران بن ميسرة ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا حصين ، قال أبو عبد الله : وحدثني أسيد بن زيد ، حدثنا هشيم ، عن حصين ، قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : حدثني ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : عرضت علي الأمم ، فأخذ النبي يمر معه الأمة ، والنبي يمر معه النفر ، والنبي يمر معه العشرة ، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت ، فإذا سواد كثير ، قلت : يا جبريل : هؤلاء أمتي ؟ قال : لا ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب . قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون . فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . قال : اللهم اجعله منهم . ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : سبقك بها عكاشة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة . وأخرجه من طريقين ، أحدهما : عن عمران بن ميسرة ، ضد الميمنة ، عن محمد بن فضيل ، بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي الكوفي ، عن حصين ، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي ، والطريق الآخر : عن أسيد ، بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ، ابن زيد من الزيادة ، أبي محمد الجمال بالجيم ، مولى صالح القرشي الكوفي ، عن هشيم ، بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ، ابن بشير الواسطي ، عن حصين ، إلى آخره ، وأشار البخاري إلى روايته عن أسيد المذكور بقوله : " قال أبو عبد الله - وهو البخاري - وحدثني أسيد بن زيد " إلى آخره ، ولم يرو البخاري عنه إلا في هذا الموضع فقط مقرونا بعمران بن ميسرة ، فإن قلت : أسيد هذا ضعيف جدا ، ضعفه جماعة منهم يحيى بن معين ، وأفحش القول فيه ، وقال أبو حاتم : كانوا يتكلمون فيه . قلت : قال أبو مسعود : لعله كان ثقة عنده ، وهذا لا يجدي في الاحتجاج به ، ولهذا روى عنه مقرونا بعمران بن ميسرة ، فإن قلت : ما كان الداعي لهذا والإسناد الأول كان كافيا ؟ قلت : قال بعضهم : إنما احتاج إليه فرارا من تكرر الإسناد بعينه ، فإنه أخرج السند الأول في الطب في باب من اكتوى ثم أعاده هنا فأضاف إليه طريق هشيم ، انتهى ، وهذا ليس بشيء ، لأنه قد وقع في البخاري أسانيد كثيرة تكررت بعينها في غير موضع ولا يخفى هذا على من يتأمل ذلك ، وأما الذي ذكره في الطب فهو مطول ، أخرجه عن عمران بن ميسرة عن ابن فضيل عن حصين عن عامر عن عمران بن حصين ، الحديث ، وأخرجه في أحاديث الأنبياء مختصرا عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عرضت علي " بتشديد الياء ، والأمم بالرفع ، قوله : " الأمة " أي : العدد الكثير . قوله : " فأخذ " بفتح الخاء المعجمة والذال المعجمة في رواية الكشميهني ، وهو من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ فيه ، فتارة يستعمل أخذ استعمال عسى فيدخل أن في خبره وتارة يستعمل استعمال كاد بغير أن ، ويروى " فأجد " بفتح الهمزة وكسر الجيم وبالدال المهملة ، فعلى هذا لفظ النبي منصوب على المفعولية ، وعلى الأول هو مرفوع على أنه اسم أخذ ، وقوله : " يمر " خبره . قوله : " النفر " هو رهط الإنسان وعشيرته ، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، ولا واحد له من لفظه . قوله : " معه العشرة " بفتح الشين ، اسم العدد المعين ، وفي رواية المستملي " العشيرة " بكسر الشين وسكون الياء آخر الحروف وهي القبيلة . قوله : " فإذا سواد كثير " السواد بلفظ ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ، ووصفه بالكثرة إشارة إلى أن المراد بلفظه الجنس . قوله : " فإذا سواد كثير " كلمة " إذا " للمفاجأة ، وفي رواية سعيد بن منصور " عظيم " موضع " كثير " . قوله : " قدامهم " في رواية سعيد بن منصور " ومعهم " بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير " ومع هؤلاء " . قوله : " ولم " بكسر اللام وفتح الميم ويجوز تسكينها يستفهم بها عن السبب . قوله : " لا يكتوون " قال الكرماني : أي : عند غير الضرورة ، والاعتقاد بأن الشفاء من الكي . قلت : فيه تأمل . قوله " ولا [ ص: 117 ] يسترقون " أي : بالأمور التي هي غير القرآن كعزائم أهل الجاهلية . قوله : " ولا يتطيرون " أي : لا يتشاءمون بالطيور ، وأنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية وعقائدهم ، قيل : هم أكثر من هذا العدد ، وأجيب : الله أعلم بذلك ، مع احتمال أن يراد بالسبعين الكثير ، وقال بعضهم : إن العدد المذكور على ظاهره ، وقوى كلامه بأحاديث ، منها : ما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي " . قلت : احتمال الزيادة في السبعين باق ، لأن المراد منه ليس خصوص العدد ، والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة ، قاله ابن الأثير . قوله : " رجل آخر " قيل : هو سعد بن عبادة الأنصاري ، سيد الخزرج . قلت : أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر أحد الضعفاء ، وقيل : يستبعد هذا السؤال من سعد بن عبادة ، فلعل هذا سعد بن عمارة الأنصاري وصحفه الناقل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " سبقك بها عكاشة " اختلفوا في الحكمة في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا القول ، فقال الفراء : كان الآخر منافقا ، ورد هذا بأن الأصل في الصحابة عدم النفاق ، وقيل : إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الآخر ، وقال ابن الجوزي : يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب ، وأما الثاني فيحتمل أن يكون أراد حسم المادة ، فلو قال للثاني نعم فلا شك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له ، وليس كل الناس يصلح لذلك . وقال القرطبي : لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب . وقال السهيلي : الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله تعالى عليه وسلم واتفق أن الرجل قال بعدما انقضت ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية