الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6221 1 - حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا شعبة ، أنبأني سليمان الأعمش قال : سمعت زيد بن وهب ، عن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع : برزقه وأجله وشقي أو سعيد ، فوالله إن أحدكم - أو الرجل - يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع - أو ذراع - فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وقال آدم : إلا ذراع .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة في معناه ، وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي من قضاعة ، خرج إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو في الطريق سمع عبد الله بن مسعود وغيره ، وهذا الحديث اشتهر عن الأعمش بالسند المذكور هنا ، قال علي بن المديني في كتاب العلل : كنا نظن أن الأعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب ، وروايته عند أحمد والنسائي ولم ينفرد به زيد بن وهب أيضا عن ابن مسعود ، بل رواه عنه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عند أحمد ، وعلقمة عند أبي يعلى ، ولم ينفرد به ابن مسعود أيضا ، بل رواه جماعة من الصحابة مطولا ومختصرا منهم : أنس رضي الله تعالى عنه على ما يجيء عقيب هذا الحديث ، وحذيفة بن أسيد عند مسلم ، وعبد الله بن عمر في القدر لابن وهب ، وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب ، وأبو هريرة عند مسلم ، وعائشة عند أحمد ، وأبو ذر عند الفريابي ، ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب وغيرهم .

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن آدم ، ومضى في بدء الخلق عن الحسن بن الربيع ، وفي خلق آدم عن عمر بن حفص ، وأخرجه مسلم في القدر عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ، وأخرجه بقية الجماعة ، وقد ذكرناه في بدء الخلق ، ومضى الكلام فيه هناك ولا نقتصر عليه ، فقوله : أنبأني سليمان الأعمش ، وقال في التوحيد : حدثنا سليمان الأعمش ، ويفهم منه أن التحديث والإنباء عند شعبة سواء ، ويرد به على من زعم أن شعبة يستعمل الإنباء في الإجازة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وهو الصادق المصدوق " أي : الصادق في نفسه ، والمصدوق من جهة غيره ، وقال الكرماني : لما كان مضمون الخبر مخالفا لما عليه الأطباء أراد الإشارة إلى صدقه وبطلان ما قالوه أو ذكره تلذذا وتبركا وافتخارا ، قال الأطباء : إنما يتصور الجنين فيما بين ثلاثين يوما إلى الأربعين ، والمفهوم من الحديث أن خلقه إنما يكون بعد أربعة أشهر انتهى ، وقال بعضهم : بعد أن نقل كلام الكرماني ما ملخصه أنه لم يعجبه ما قاله الكرماني حيث قال : وقد وقع هذا اللفظ بعينه في [ ص: 146 ] حديث آخر ليس فيه إشارة إلى بطلان شيء يخالف ما ذكره ، وهو ما ذكره أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة ، سمعت الصادق المصدوق يقوله : لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقي ، ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة ، سمعت الصادق المصدوق يقول : هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا مجرد تحريش من غير طعم ، وهذه نكتة لطيفة ذكرها من وجهين ، فالوجه الثاني : يمشي في كل موضع فيه ذكر الصادق المصدوق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إن أحدكم " قال أبو البقاء : لا يجوز أن إلا بالفتح لأنه مفعول حدثنا ، فلو كسر لكان منقطعا عن حدثنا ، قلت : لا يجوز إلا الكسر لأنه وقع بعد قوله : قال : إن أحدكم ، ولفظة قال موجودة في كثير من النسخ ، هكذا حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق ، قال : إن أحدكم وإن كانت لفظة " قال " غير مذكورة في الرواية فهي مقدرة فلا يتم المعنى إلا بها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إن أحدكم يجمع في بطن أمه " كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه ، وله عن الكشميهني : إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه ، وكذا هو في رواية آدم في التوحيد ، وكذا في رواية الأكثرين عن الأعمش ، وفي رواية أبي الأحوص عنه : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ، وفي رواية ابن ماجه : إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه ، والمراد من الجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار ، والخلق بمعنى المخلوق كقولهم : هذا درهم ضرب الأمير أي : مضروبه ، وقال القرطبي : ما ملخصه : أن المني يقع في الرحم بقوة الشهوة المزعجة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أربعين يوما " زاد في رواية آدم : أو أربعين ليلة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم علقة مثل ذلك " ، وفي رواية آدم ثم يكون علقة مثل ذلك ، يعني مدة الأربعين ، والعلقة الدم الجامد الغليظ ، سميت بذلك للرطوبة التي فيها وتعلقها بما مر بها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم يكون مضغة مثل ذلك " يعني مدة الأربعين ، والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ الماضغ .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم يبعث الله ملكا " وفي رواية الكشميهني : ثم يبعث الله إليه ملكا ، وفي رواية مسلم : ثم يرسل الله ، وفي رواية آدم : ثم يبعث إليه الملك ، واللام فيه للعهد وهو الملك من الملائكة الموكلين بالأرحام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيؤمر " على صيغة المجهول أي : يأمره الله تعالى بأربعة أشياء ، وفي رواية آدم بأربع كلمات ، والمراد بها القضايا وكل كلمة تسمى قضية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بأربع " كذا هو في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : بأربعة ، والمعدود إذا أبهم جاز التذكير والتأنيث .

                                                                                                                                                                                  قوله : " برزقه " بدل من أربع وما بعده عطف عليه داخل في حكمه ، والمراد برزقه قيل : الغداء حلالا أو حراما وهو كل ما ساقه الله تعالى إلى العبد لينتفع به وهو أعم لتناوله العلم ونحوه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأجله " الأجل يطلق لمعنيين لمدة العمر من أولها إلى آخرها وللجزء الأخير الذي يموت فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وشقي أو سعيد " قال بعضهم : هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف .

                                                                                                                                                                                  قلت : ليس كذلك لأنه معطوف على ما قبله الذي هو بدل عن أربع فيكون مجرورا لأن تقدير قوله : فيؤمر بأربع أربع كلمات كلمة تتعلق برزقه وكلمة تتعلق بأجله وكلمة تتعلق بسعادته أو شقاوته ، وكان من حق الظاهر أن يقال : يكتب سعادته وشقاوته ، فعدل عن ذلك حكاية بصورة ما يكتبه وهو أنه يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ، قيل : هذه ثلاثة أمور لا أربعة ، وأجيب بأن الرابع كونه ذكرا أو أنثى كما صرح في الحديث الذي بعده ، أو عمله كما تقدم في أول كتاب بدء الخلق ولعله لم يذكره لأنه يلزم من المذكور أو اختصره اعتمادا على شهرته ، وقيل : هذا يدل على أن الحكم بهذه الأمور بعد كونه مضغة لا أنه أزلي ، وأجيب بأن هذا للملك بأن المقضي في الأزل حتى يكتب على جبهته مثلا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو الرجل " شك من الراوي أي : أو أن الرجل ، وفي رواية آدم : فإن أحدكم بغير شك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بعمل أهل النار " قدم النار على الجنة ، وفي رواية آدم بالعكس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى ما يكون " قال الطيبي : حتى هي الناصبة وما نافية ولم تكف عن العمل ، وتكون منصوبة بحتى ، وأجاز غيره أن تكون حتى ابتدائية ويكون على هذا بالرفع .

                                                                                                                                                                                  قوله : " غير باع أو ذراع " هكذا رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : غير ذراع أو باع ، وفي رواية أبي الأحوص : إلا ذراع بغير شك ، والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت ، وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيسبق عليه الكتاب " الفاء في فيسبق للتعقيب يدل على حصول السبق بغير مهلة ، وضمن يسبق معنى يغلب أي : يغلب عليه الكتاب ، وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل [ ص: 147 ] بعمل أهل الجنة وعمل أهل النار ، والمراد من الكتاب المكتوب أي : مكتوب الله أي القضاء الأزلي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيعمل بعمل أهل النار " الباء فيه زائدة للتأكيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو ذراعين " أي : أو غير ذراعين ، فهو شك من الراوي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وقال آدم إلا ذراع " أي : قال آدم بن إياس : إلا ذراع ، هذا تعليق وصله البخاري في التوحيد - .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية