الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  655 78 - حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زائدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: بلى، ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق، فقال صلى الله عليه وسلم: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء [ ص: 215 ] فأغمي عليه ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر، وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس، فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي - عليه الصلاة والسلام -) وكون الإمام جعل ليؤتم به ظاهر هاهنا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله)، وهم خمسة. الأول: أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي، الثاني: زائدة بن قدامة البكري الكوفي، الثالث: موسى بن أبي عائشة الهمداني أبو بكر الكوفي، الرابع: عبيد الله بتصغير العبد ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي أحد الفقهاء السبعة، مات سنة ثمان وتسعين. الخامس: أم المؤمنين عائشة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه أن الثلاثة الأول من الرواة كوفيون، وفيه شيخ البخاري مذكور باسم جده.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه، ومن أخرجه غيره) أما البخاري فإنه أخرج هذا الحديث مقطعا ومطولا ومختصرا في مواضع عديدة قد ذكرنا أكثرها، وأخرجه هنا عن أحمد بن يونس ووافقه في ذلك مسلم، وأخرجه عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة به، وأخرجه النسائي في الصلاة عن ابن عباس العنبري عن ابن مهدي عن زائدة به، وفي الوفاة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن زائدة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه). قوله: ( ألا ) للعرض والاستفتاح. قوله: ( بلى ) بمعنى نعم أحدثك. قوله: ( لما ثقل ) بضم القاف يعني لما اشتد مرضه، وقد استقصينا الكلام فيه في باب الغسل، والوضوء في المخضب، وفي حد المريض أن يشهد الجماعة وغيرهما، ونذكر هاهنا بعض شيء مما يحتاج إليه لسرعة الوقوف عليه. قوله: ( أصلى الناس )؟ الهمزة فيه للاستفهام والاستخبار. قوله: ( فقلنا: لا )، ويروى: " قلنا " بدون الفاء. قوله: ( وهم ينتظرونك ) الواو فيه للحال. قوله: ( ضعوا لي ماء ) باللام، وفي رواية المستملي والسرخسي : ضعوني بالنون، والكرماني ذهل عن رواية الجمهور التي هي باللام وسأل على رواية النون، فقال: القياس باللام لا بالنون لأن الماء مفعول وهو لا يتعدى إلى مفعولين، ثم أجاب بأن الوضع ضمن معنى الإيتاء أو لفظ الماء تمييز عن المخضب مقدم عليه إن جوزنا التقديم أو هو منصوب بنزع الخافض، قلت: كل هذا تعسف إلا معنى التضمين فله وجه. قوله: ( في المخضب ) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو المركن أي الإجانة. قوله: ( ففعلنا فاغتسل )، ويروى: ففعلنا فقعد فاغتسل. قوله: ( فذهب ) بالفاء، وفي رواية الكشميهني : ثم ذهب. قوله: ( لينوء ) بضم النون بعدها همزة أي لينهض بجهد، وقال الكرماني : وينوء كيقوم [ ص: 216 ] لفظا ومعنى. قوله: ( فأغمي عليه ) فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم، وقال النووي : لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فإنه لم يجز عليهم لأنه نقص، قلت: العقل في الإغماء يكون مغلوبا، وفي المجنون يكون مسلوبا. قوله: ( قلنا لا ) يعني لم يصلوا. قوله: ( هم ينتظرونك ) جملة اسمية، وقعت حالا بلا واو، وهو جائز، وقد وقع في القرآن نحو قوله تعالى: وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو وكذلك هم ينتظرونك، الثاني: قوله: ( لصلاة العشاء )، كذا باللام في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والكشميهني : الصلاة العشاء الآخرة. قوله: ( عكوف ) بضم العين جمع العاكف أي مجتمعون، وأصل العكف اللبث، ومنه الاعتكاف لأنه لبث في المسجد. قوله: (تلك الأيام) أي التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها مريضا غير قادر على الخروج. قوله: ( لصلاة الظهر ) هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت صلاة الظهر، وزعم بعضهم أنها الصبح. قوله: ( أجلساني ) من الإجلاس. قوله: ( وهو يأتم بصلاة النبي - عليه الصلاة والسلام -) هذه رواية المستملي، والسرخسي، ورواية الأكثرين: فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم من القيام. قوله: ( بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -) ويروى بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الشافعي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة، وهي هذه التي صلى فيها قاعدا، وكان أبو بكر فيها إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير. قوله: ( ألا ) عرض؛ الهمزة للاستفهام، ولا للنفي، وليس حرف التنبيه، ولا حرف التحضيض بل هو استفهام للعرض.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) وقد ذكرنا أكثر فوائد هذا الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، ونذكر أيضا ما لم نذكره هناك: فيه دليل على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بالقوم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر، ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة، وفيه صحة إمامة المعذور لمثله، وفيه دليل على صحة إمامة القاعد للقائم أيضا خلافا لما روي عن مالك في المشهور عنه، ولمحمد بن الحسن، وقالا في ذلك أن الذي نقل عنه صلى الله عليه وسلم كان خاصا به، واحتج محمد أيضا بحديث جابر عن الشعبي مرفوعا: لا يؤمن أحد بعدي جالسا ، أخرجه الدارقطني ثم البيهقي، وقال الدارقطني : لم يروه عن الشعبي غير جابر الجعفي، وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة، وقال ابن بزيزة : لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منه الصلاة بالجالس، قلت: يعني يجعل جالسا مفعولا لا حال، وهذا خلاف ظاهر التركيب في زعم المحتج به، وزعم عياض ناقلا عن بعض المالكية أن الحديث المذكور يدل على نسخ الأمر المتقدم لهم بالجلوس لما صلوا خلفه قياما، ورد بأن ذلك على تقدير صحته يحتاج إلى تاريخ ثم اعلم أن جواز صلاة القائم خلف القاعد هو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف، والشافعي، ومالك في رواية، والأوزاعي، واحتجوا في ذلك بحديث عائشة المذكور، فإن قلت: روى البخاري ومسلم والأربعة عن أنس قال: سقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرس . الحديث، وفيه: إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا . وروى البخاري أيضا، ومسلم عن عائشة قالت: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه ناس من أصحابه. الحديث، وفيه: إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا، قلت: هؤلاء يجعلون هذين الحديثين منسوخين بحديث عائشة المتقدم أنه صلى آخر صلاته قاعدا والناس خلفه قيام، وأيضا أن تلك الصلاة كانت تطوعا، والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض، وقد صرح بذلك في بعض طرقه كما أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سفيان عن جابر قال: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا له في المدينة فصرعه على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالسا، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة، قال: إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، فإذا صلى قائما فصلوا قياما ولا تفعلوا كما يفعل أهل الفارس بعظمائها . ورواه ابن حبان في صحيحه كذلك ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد عن أنس أنه صلى بهم قاعدا وهم قيام أنه إنما كانت الصلاة سبحة، فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا فكان أمر فريضة لا فضيلة، قلت: ومما يدل على أن التطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض ما أخرجه الترمذي عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة . وقال: حديث حسن.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية