الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  657 80 - حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسا فصرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث الذي قبله، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وهو أنه مثل الحديث الأول غير أن ذاك عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهذا عن مالك عن الزهري عن أنس، واعتبر الاختلاف في المتن من حيث الزيادة والنقصان. قوله: ( عن أنس )، في رواية شعيب عن الزهري : أخبرني أنس. قوله: ( فصلى ) صلاة من الصلوات، وفي رواية سفيان عن الزهري : فحضرت الصلاة، وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي، وقال القرطبي : اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض لأن المعهود من عادتهم اجتماعهم للفرض بخلاف النافلة، وحكى عياض عن ابن القاسم أن هذه الصلاة كانت نفلا، وقال بعضهم: وتعقب بأن في رواية جابر عند ابن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض لكني لم أقف على تعيينها إلا في حديث أنس فصلى بنا يومئذ، والظاهر أنها الظهر أو العصر، انتهى. قلت: لا ظاهر هنا يدل على ما دعاه، ولما لا يجوز أن تكون التي صلى بهم يومئذ نفلا. قوله: ( فجحش ) بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش. [ ص: 219 ] وهو أن يتقشر جلد العضو. قوله: ( فصلينا وراءه قعودا ) أي حال كوننا قاعدين؛ فإن قلت: هذا يخالف حديث عائشة لأن فيه فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما، قلت: أجيب عن ذلك بوجوه: الأول: أن في رواية أنس اختصارا، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس. الثاني: ما قاله القرطبي، وهو أنه يحتمل أن يكون بعضهم قعد من أول الحال، وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس، وهو الذي حكته عائشة، الثالث: ما قاله قوم، وهو احتمال تعدد الواقعة، وقال بعضهم: وفيه بعد قلت: البعد في الوجهين الأولين، والوجه الثالث هو القريب، ويدل عليه ما وقع في رواية أبي داود عن جابر رضي الله تعالى عنه أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما، وبين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس، والثانية كانت فريضة وابتدأوا قياما فأشار إليهم بالجلوس، وفي رواية بشر عن حميد عن أنس نحوه عند الإسماعيلي . قوله: ( وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا )، قيل: إن المراد بالأمر أن يقتدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين لأنه ذكر ذلك عقيب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، فيحمل على أنه لما جلس بين السجدتين قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر : إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا . وقال ابن دقيق العيد : هذا بعيد لأن سياق طرق الحديث يأباه، ولأنه لو كان المراد بالجلوس في الركن لقال: وإذا جلس فاجلسوا، ليناسب قوله: ( فإذا سجدوا )، فلما عدل عن ذلك إلى قوله: ( وإذا صلى جالسا ) كان كقوله: (وإذا صلى قائما).

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد منه غير ما ذكرنا في الحديث السابق مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها واستحباب التأسي إذا حصل له منها سقوط أو عثرة أو غير ذلك بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، وبه الأسوة الحسنة، ومن ذلك أنه يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية