الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6456 39 - حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه بين قوله في الترجمة: كم التعزير، وفيه بحث يأتي عن قريب .

                                                                                                                                                                                  ويزيد: من الزيادة، ابن أبي حبيب ، بفتح الحاء المهملة، أبو رجاء المصري ، واسم أبي حبيب: سويد ، وبكير بضم الباء الموحدة: ابن عبد الله بن الأشج ، وسليمان: ابن أبي يسار، ضد اليمين، وعبد الرحمن: ابن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وفي رواية الأصيلي ، عن أبي أحمد الجرجاني عبد الرحمن عن جابر ، ثم خط على قوله: عن جابر ، فصار عن عبد الرحمن ، عن أبي بردة بضم الباء الموحدة، اسمه هانئ بكسر النون، ابن نيار بكسر النون، وتخفيف الياء آخر الحروف، الأوسي الحارثي الأنصاري المدني ، خال البراء بن عازب ، شهد بدرا ، وسمع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وروى عنه جابر بن عبد الله عند الشيخين، وعبد الرحمن بن جابر عند البخاري ههنا .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الحدود، عن أحمد بن عيسى ، وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة ، عن الليث به، وعن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب به، وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، وعن محمد بن أبي عبد الرحمن المنقري ، عن أبيه، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن فلان ، عن أبي بردة به، وعن محمد بن وهب الحراني ، عن محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه، عن أبي بردة ، وفي المحاربة عن محمد بن عبد الله بن بزيغ ، عن فضيل بن سليمان نحوه، وابن ماجه في الحدود، عن محمد بن رمح التجيبي ، عن الليث به، وفي حديث أبي لهيعة : حدثني بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، حدثني أبو بردة به، وقال الدارقطني : قال مسلم : عن عبد الرحمن بن جابر ، عن رجل من الأنصار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال حفص بن ميسرة : عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه، قال: والقول قول الليث ومن تابعه، وفي موضع آخر: حديث عمرو بن الحارث ، عن بكير ، عن سليمان ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه، عن أبي بردة صحيح، وقال البيهقي : هذا حديث ثابت، وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن بكير ، فذكره، قال: وقد أقام إسناده عمرو بن الحارث ، فلا يضره تقصير من قصره، فإن قلت: قال ابن المنذر : في إسناده مقال، ونقل ابن بطال ، عن الأصيلي أنه اضطرب حديث عبد الله بن جابر .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 24 ] فوجب تركه لاضطرابه، ولوجود عمل الصحابة والتابعين بخلافه قلت: رد عليه بأن عبد الرحمن ثقة صرح بسماعه، وإبهام الصحابي لا يضر، وقد اتفق الشيخان على تصحيحه، وهم العمدة في الصحيح، ولا يضر هذا الاختلاف عندهما في صحة الحديث، لأنه كيف ما دار يدور على ثقة، وحاصل الاختلاف: هل هو صحابي مبهم أو مسمى؟ فالراجح الثاني، وإبهام الصحابي أيضا لا يضر، فالراجح أنه أبو بردة بن نيار ، وهل بين عبد الرحمن ، وأبي بردة واسطة وهو أبوه جابر أو لا؟ فالراجح هو الثاني أيضا .

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلا في حد من حدود الله" ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب المخصوص أو عقوبة، وقيل: المراد بالحد حق الله، وقيل: المراد بالحد ههنا الحقوق التي هي أوامر الله تعالى ونواهيه، وهي المراد بقوله: ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وفي آية أخرى: فقد ظلم نفسه وقال: تلك حدود الله فلا تقربوها وقال: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا ومعنى الحديث: لا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية ، كتأديب الأب ولده الصغير، وقيل: يحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي، فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وما لم يرد فيه التقدير: فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه، وكان مالك يرى العقوبة بقدر الذنب، ويرى ذلك موكولا إلى اجتهاد الأئمة، وإن جاوز ذلك الحد، وقال الداودي : لم يبلغ مالكا هذا الحديث، يعني حديث الباب، وقال ابن القصار : لما كان طريق التعزير إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يغلب على ظنه أنه يردع به، وكان في الناس من يردعه الكلام، وفيهم من لا يردعه مائة سوط، وهي عنده كضرب المزوجة، فلم يكن للتحديد فيه معنى، وكان مفوضا إلى ما يؤديه اجتهاده بأن يردع مثله، وقال المهلب : ألا يرى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد المواصلين في النكال؟ فكذلك يجوز للإمام أن يزيد فيه على حسب اجتهاده، فيجب أن يضرب كل واحد على قدر عصيانه للسنة ومعاندته أكثر مما يضرب الجاهل، ولو كان في شيء من ذلك حد لم يجز خلافه، وقال ابن حزم: الحد في سبعة أشياء : الردة، والحرابة قبل أن يقدر عليه، والزنا، والقذف بالزنا، وشرب المسكر أسكر أم لم يسكر، والسرقة، وجحد العارية، وأما سائر المعاصي فإنما فيها التعزير فقط، وهو الأدب، ومن الأشياء التي رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا : السكر، والقذف بالخمر، والتعريض، وشرب الدم، وأكل الخنزير والميتة، وفعل قوم لوط، وإتيان البهيمة، وسحق النساء، وترك الصلاة غير جاحد لها، والفطر في رمضان، والسحر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية