الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6544 4 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن إسماعيل، حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث دلالة طلب خباب دعاء من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على الكفار ; لكونهم تحت قهرهم وأذاهم كالمكرهين بما لا يريدون.

                                                                                                                                                                                  ويحيى : هو ابن سعيد القطان ، وإسماعيل : هو ابن أبي خالد ، وقيس : هو ابن أبي حازم المذكوران عن قريب، وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت بفتح الهمزة وتشديد التاء المثناة من فوق: ابن جندلة مولى خزاعة .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في علامات النبوة عن محمد بن المثنى عن يحيى ، وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ومضى [ ص: 100 ] الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بردة له " ويروى " متوسد بردة في ظل الكعبة "، وهو كساء أسود مربع، والجمع برود وأبراد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألا " في الموضعين للتحضيض، قال ابن بطال : إنما لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى ادعوني أستجب لكم ; لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها، وأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة، لعدم اطلاعهم على ما اطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع لهم، بل يحتمل أنه قد دعا. قلت: هذا احتمال بعيد ; لأنه لو كان دعا لهم لما قال: " قد كان من كان قبلكم " إلخ، وقوله هذا تسلية لهم وإشارة إلى الصبر على ذلك لينقضي أمر الله عز وجل، ثم قال هذا القائل وإلى ذلك الإشارة، يعني إلى ما قاله من الاحتمال بقوله: " ولكنكم تستعجلون "، قلت: هذا لا يدل على أنه دعا لهم، بل هذا يدل على أنهم لا يستعجلون في إجابة الدعاء في الدنيا، على أن الظاهر منه ترك الاستعجال في هذا الوقت، ولو كان يجاب لهم فيما بعد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يؤخذ " يعني منهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بالمنشار " بكسر الميم وسكون النون، وهي الآلة التي ينشر بها الأخشاب، ويروى " الميشار " بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف، من وشر الخشبة: إذا نشرها، غير مهموز، وفيه لغة بالهمزة من أشر الخشبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ما دون لحمه وعظمه " أي من تحتهما، ويروى " من دون لحمه ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " فما يصده " أي فما يمنعه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " هذا الأمر " أي الإسلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من صنعاء " بالمد، وهي قاعدة اليمن ومدينتها العظمى، وحضرموت بفتح الحاء وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم، وبضم الميم أيضا، وبالهمزة: بلدة أيضا باليمن ، وهو كبعلبك في الإعراب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "والذئب" بالنصب عطف على لفظة الله، أي ولا يخاف الذئب على غنمه فافهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية