الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6582 2 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، والحديث أخرجه النسائي في تعبير الرؤيا، عن قتيبة وغيره، وأخرجه ابن ماجه فيه عن هشام بن عمار .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الحسنة ) هي إما باعتبار حسن ظاهرها أو حسن تأويلها، وقسموا الرؤيا إلى الحسنة ظاهرا وباطنا كالتكلم مع الأنبياء عليهم السلام، أو ظاهرا لا باطنا كسماع الملاهي، وإلى رديئة ظاهرا وباطنا كلدغ الحية، أو ظاهرا لا باطنا كذبح الولد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من الرجل ) ذكر للغالب فلا مفهوم له، فإن المرأة الصالحة كذلك، قاله ابن عبد البر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) قال الكرماني : قوله ( من النبوة ) أي في حق الأنبياء دون غيرهم، وكان الأنبياء يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، وقيل: معناه أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة .

                                                                                                                                                                                  وقال الزجاج : تأويل قوله ( جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) أن الأنبياء عليهم السلام يخبرون بما سيكون، والرؤيا تدل على ما يكون .

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي ناقلا عن بعضهم ما ملخصه: إن أول ما بدئ به الوحي إلى أن توفي ثلاث وعشرون سنة، أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا، وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر وهي نصف سنة، فصارت هذه المدة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة بنسبتها من الوحي في المنام .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن قوله ( جزء من ستة وأربعين جزءا ) هو الذي وقع في أكثر الأحاديث، وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة : جزء من خمسة وأربعين ، وفي رواية له من حديث ابن عمر : جزء من سبعين جزءا ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة ، عن ابن مسعود موقوفا، وأخرجه الطبراني عنه من وجه آخر مرفوعا، وللطبراني من وجه آخر عنه : من ستة وسبعين ، وسنده ضعيف، وأخرجه ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا: جزء من ستة وعشرين ، وأخرج أحمد وأبو يعلى حديثا في هذا الباب، وفيه قال ابن عباس : إني سمعت العباس بن عبد المطلب يقول: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من المؤمن جزء من خمسين جزءا من النبوة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي ، والطبري من حديث أبي ذر بن العقيلي : جزء من أربعين . وأخرجه الطبري من وجه آخر، عن ابن عباس : أربعين . وأخرج الطبري أيضا من حديث عبادة : جزء من أربعة وأربعين . وأخرج أيضا أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : جزء من تسعة وأربعين . وذكر القرطبي في المفهم بلفظ: سبعة، بتقديم السين، فحصلت من هذه عشرة أوجه، ووقع في شرح النووي ، [ ص: 132 ] وفي رواية عبادة : أربعة وعشرون، وفي رواية ابن عمر : ستة وعشرون، وقيل: جاء فيه اثنان وسبعون واثنان وأربعون وسبعة وعشرون وخمسة وعشرون، فعلى هذا ينتهي العدد إلى ستة عشر وجها .

                                                                                                                                                                                  وأجاب من تكلم في بيان وجه اختلاف الأعداد بأنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه، حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين، إن ثبت الخبر بذلك، وذلك وقت الهجرة، ولما أكمل عشرين حدث بأربعين، ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين، ثم بعدها بخمسة وأربعين، ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف، ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر، ورواية السبعين للمبالغة، وما عدا ذلك لم يثبت، والله أعلم




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية