الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6872 73 – حدثني محمد بن مقاتل ، أخبرنا وكيع ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، قال : كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر ، لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم ، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التيمي الحنظلي أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر بغيره ، فقال أبو بكر لعمر : إنما أردت خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله : عظيم .

                                                                                                                                                                                  قال ابن أبي مليكة ، قال ابن الزبير : فكان عمر بعد ، ولم يذكر ذلك عن أبيه ، يعني أبا بكر ، إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار ، لم يسمعه حتى يستفهمه .


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الثاني وهو التنازع في العلم تؤخذ من قوله : " فارتفعت أصواتهما " أي أصوات أبي بكر وعمر رضي الله [ ص: 40 ] تعالى عنهما ، كما يجيء الآن ، وكان تنازعهما في تولية اثنين في الإمارة ، كل منهما كان يريد تولية خلاف ما يريده الآخر فتحاربا على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم إلى قوله : عظيم ; إنما قلنا تنازعهما في العلم لأن كلا منهما أشار بالتولية لكل واحد من الاثنين واختلفا ، وقد ذكرنا أن معنى التنازع في العلم الاختلاف .

                                                                                                                                                                                  وشيخ البخاري محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة ، ونافع بن عمر الجمحي يروي عن عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير الأحول المكي القاضي على عهد عبد الله بن الزبير .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في تفسير سورة الحجرات ، فإنه أخرجه هناك عن يسرة بن صفوان ، عن نافع بن عمر ، إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الخيران " تثنية خير بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة ، وأراد بهما أبا بكر وعمر ، وفسرهما بقوله : " أبو بكر وعمر " أي هما أبو بكر وعمر ، قوله : " لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم " وفي الرواية المتقدمة " ركب بني تميم " قوله : " أشار أحدهما " أي أحد الخيرين وهو عمر رضي الله تعالى عنه بتأمير الأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع ، أي واحد منهم ، وبنو مجاشع بضم الميم وبالجيم والشين المعجمة المكسورة ابن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وكانت عامتهم بالبصرة ، قوله : " وأشار الآخر " أراد به أبا بكر رضي الله تعالى عنه ، قوله : " بغيره " أي بغير الأقرع وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي أحد وفد بني تميم ، وكانا يطلبان الإمارة ، ولما تنازع أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في ذلك وارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم إلى قوله : عظيم ، وقيل نزلت في غير ذلك على ما ذكره في التفسير ، قوله : " ولا تجهروا له بالقول " أي في المخاطبة ، وقيل لا تدعوه باسمه يا محمد كما يدعو بعضكم بعضا ، قوله : " أن تحبط أعمالكم " أي خشية أن تحبط أعمالكم والحال " أنتم لا تشعرون " أي لا تعلمون ، قوله : " إن الذين يغضون أصواتهم " الغض النقص من كل شيء ، قوله : " للتقوى " أي أخلص من المعصية ، قوله : " قال ابن الزبير " أي عبد الله بن الزبير ، " فكان عمر بعد " أي بعد نزول هذه الآية إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره ، قوله : " ولم يذكر عن أبيه " يعني أبا بكر ، معترض بين قوله : " بعد " وبين قوله : " إذا حدث " وفسر قوله : " عن أبيه " بقوله : " يعني أبا بكر " ولم يكن أبو بكر أبا لعبد الله بن الزبير حقيقة ، وإنما كان جده للأم ، وأطلق عليه الأب وفهم منه أن الجد للأم يسمى أبا كما في قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء والجد للأم داخل في ذلك ، قوله : " كأخي السرار " قال أبو العباس النحوي : لفظ أخي صلة أي صاحب المشاورة ، والسرار بكسر السين ، وقال ابن الأثير : " كأخي السرار " السرار المساررة أي كصاحب السرار ، وكمثل المساررة لخفض صوته ، قوله : " لم يسمعه بضم الياء " أي لم يسمع عمر النبي صلى الله عليه وسلم حديثه حتى يستفهم النبي صلى الله عليه وسلم منه من الاستفهام وهو طلب الفهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية