الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  699 (باب: إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في بيان إيجاب تكبيرة الإحرام، ثم الواو في " وافتتاح الصلاة " قال بعضهم: الظاهر أنها عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب، وإما على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء؛ لأنه لا يجب، والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع، وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا نسلم أن الواو هنا عاطفة، فلا يصح قوله: إما على المضاف، وإما على المضاف إليه، بل الواو هنا: إما بمعنى باء الجر، كما في قولهم: أنت أعلم ومالك، والمعنى: إيجاب التكبير بافتتاح الصلاة، وإما بمعنى لام التعليل، والمعنى إيجاب التكبير لأجل افتتاح الصلاة، ومجيء الواو بمعنى لام التعليل ذكره الخارزنجي، ويجوز أن تكون بمعنى مع: أي إيجاب التكبير مع افتتاح الصلاة، ومجيء الواو بمعنى مع شائع ذائع.

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أنه كان ينبغي أن يقول: باب وجوب التكبير؛ لأن الإيجاب هو الخطاب الذي يعتبر فيه جانب الفاعل، والوجوب هو الذي يعتبر فيه جانب المفعول، وهو فعل المكلف، وإطلاق الإيجاب على الوجوب تسامح.

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في تكبيرة الإحرام، فقال أبو حنيفة : هي شرط، وقال مالك والشافعي وأحمد : ركن، وقال ابن المنذر : قال الزهري : تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير، قال أبو بكر : ولم يقل به غيره.

                                                                                                                                                                                  قال ابن بطال : ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تكبيرة الإحرام، وذهبت طائفة إلى أنها سنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، والزهري، والأوزاعي وقالوا: إن تكبير الركوع يجزيه عن تكبير الإحرام، وروي عن مالك في المأموم ما يدل على أنه سنة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنه واجب على كل واحد منهما، وأن من نسيه يستأنف الصلاة، وفي المغني لابن قدامة : التكبير ركن، لا تنعقد الصلاة إلا به، سواء تركه سهوا أو عمدا، قال: وهذا قول ربيعة، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وحكى الثوري، وأبو الحسن الكرخي الحنفي عن ابن علية، والأصم كقول الزهري في انعقاد الصلاة بمجرد النية بغير تكبير.

                                                                                                                                                                                  وقال عبد العزيز بن إبراهيم بن بزيزة : قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله، وعكس آخرون فقالوا: كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا، منهم ابن شهاب، وابن المسيب، وأجازوا الإحرام بالنية؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ".

                                                                                                                                                                                  والجمهور أوجبوها خاصة دون ما عداها، واختلف مذهب مالك هل يحملها الإمام عن المأموم أم لا؟ فيه قولان في المذهب.

                                                                                                                                                                                  ثم اختلف العلماء هل يجزئ الافتتاح بالتسبيح والتهليل مكان التكبير، فقال مالك، وأبو يوسف، والشافعي، وأحمد، وإسحاق : لا يجزئ إلا الله أكبر، وعن الشافعي أنه يجزئ الله الأكبر، وقال أبو حنيفة، ومحمد : يجوز بكل لفظ يقصد به التعظيم، وذكر في الهداية قال أبو يوسف : إن كان المصلي يحسن التكبير لم يجز إلا الله أكبر، أو الله الأكبر، أو الله الكبير، وإن لم يحسن جاز.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: استدل بحديث عائشة : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير "، وبحديث ابن عمر : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح التكبير في الصلاة " على تعيين لفظ التكبير دون لفظ غيره من ألفاظ التعظيم، وكذلك استدلوا بحديث رفاعة في قصة المسيء صلاته، أخرجه أبو داود: " لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر ".

                                                                                                                                                                                  وبحديث أبي حميد : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة عقد قائما، ورفع يديه، ثم قال: الله أكبر " أخرجه الترمذي .

                                                                                                                                                                                  (قلت): التكبير هو التعظيم من حيث اللغة، كما في قوله تعالى: فلما رأينه أكبرنه أي عظمنه وربك فكبر أي فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، ومن أين قالوا: إن التكبير وجب بعينه حتى يقتصر على لفظ: أكبر، والأصل في خطاب الشرع أن تكون نصوصه معلومة معقولة، والتقييد خلاف في الأصل على ما عرف في الأصول، وقال تعالى: وذكر اسم ربه فصلى وذكر اسمه تعالى أعم من أن يكون باسم الله، أو باسم الرحمن، فجاز: الرحمن أعظم، كما جاز الله أكبر؛ لأنهما في كونهما ذكرا سواء قال الله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وقال صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " فمن قال: [ ص: 269 ] لا إله إلا الرحمن أو العزيز كان مسلما، فإذا جاز ذلك في الإيمان الذي هو أصل ففي فروعه أولى، وفي سنن ابن أبي شيبة، عن أبي العالية أنه سئل: بأي شيء كان الأنبياء عليهم السلام يستفتحون الصلاة؟ قال: بالتوحيد، والتسبيح، والتهليل.

                                                                                                                                                                                  وعن الشعبي قال: بأي شيء من أسماء الله تعالى افتتحت الصلاة أجزأك، ومثله عن النخعي، وعن إبراهيم : إذا سبح أو كبر أو هلل أجزأ في الافتتاح.

                                                                                                                                                                                  والجواب عن حديث رفاعة أنه صلى الله عليه وسلم - قد أثبتها صلاة، ونفى قبولها، ويجوز أن تكون جائزة، ولا تكون مقبولة؛ إذ لا يلزم من الجواز القبول، وعندهم لا تكون صلاة فلا حجة فيه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية