الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  7079 143 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني سليمان، عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين [ ص: 170 ] نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده، يعني عروق حلقه، ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم، وقال: مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت! فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قالوا: مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء، قد سماهم، فأوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا للجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال: وهو مكانه يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب [ ص: 171 ] إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد! قال لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضته عليك في أم الكتاب، قال فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم الله. قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله".

                                                                                                                                                                                  وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني، وسليمان هو ابن بلال، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر بفتح النون وكسر الميم المدني التابعي، وهو أكبر من شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وقال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء من جملتها أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه، وهو غلط لم يوافق عليه، وأيضا العلماء أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ابن مالك" هو أنس بن مالك، كذا وقع في كثير من النسخ، وصرح في بعضها "أنس بن مالك" رضي الله عنه، ثم إن البخاري أورد حديث الإسراء من رواية الزهري، عن أنس، عن أبي ذر في أوائل كتاب الصلاة، وأورده من رواية قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة في بدء الخلق، وفي أوائل البعثة قبيل الهجرة، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم، عن إسماعيل بن أبي أويس، وأخرجه مسلم في الإيمان، عن هارون بن سعيد الأيلي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إنه جاءه" وفي رواية الكشميهني "إذ جاءه".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثلاثة نفر" أي: من الملائكة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قبل أن يوحى إليه" أنكرها الخطابي وابن حزم، وعبد الحق والقاضي عياض والنووي، وقد مضى الآن ما قاله النووي، وقد صرح هؤلاء المذكورون بأن شريكا تفرد بذلك، قيل: فيه نظر; لأنه وافقه كثير بن خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون عن أنس، كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في المغازي من طريقه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهو نائم في المسجد الحرام" قد أكد هذا بقوله في آخر الحديث: "فاستيقظ وهو في المسجد الحرام".

                                                                                                                                                                                  قوله: "أيهم هو" أي: محمد، وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان آخران، قيل: إنهما حمزة بن عبد المطلب عمه وجعفر بن أبي طالب ابن عمه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال أحدهم" أي: أحد النفر الثلاثة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أوسطهم هو خيرهم" أي: مطلوبك هو خير هؤلاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خذوا خيرهم" لأجل أن يعرج به إلى السماء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وكانت" أي: كانت هذه القصة في تلك الليلة لم يقع شيء آخر فيها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلم يرهم" أي: بعد ذلك حتى أتوه ليلة أخرى، لم يعين المدة التي بين المجيئين، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بدء الوحي إليه، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين، وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل الوفاق أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة، فيسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وغيرهما بأن شريكا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: ثبت في الروايات الأخر أن الإسراء كان في اليقظة، وأجاب بقوله: إن قلنا بتعدده فظاهر، وإن قلنا باتحاده فيمكن أن يقال: كان في أول الأمر في اليقظة وآخره في النوم، وليس فيه ما يدل على كونه نائما في القصة كلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى احتملوه" أي: احتمل هؤلاء النفر الثلاثة النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعوه عند بئر زمزم، فإن قلت: في حديث أبي ذر فرج سقف بيتي، وفي حديث مالك بن صعصعة أنه كان في الحطيم، قلت: إذا تعدد الإسراء فلا إشكال، وإذا اتحد فالإشكال باق على حاله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى لبته" بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة هو موضع القلادة من الصدر، وقال الداودي: "إلى لبته" إلى عانته; لأن اللبة العانة، وقال ابن التين: وهو الأشبه، وفيه الرد على من أنكر شق الصدر عند الإسراء، وزعم أن ذلك إنما وقع وهو صغير، وثبت ذلك في غير رواية شريك في الصحيحين من حديث أبي ذر، ووقع الشق أيضا عند البعثة، كما أخرجه أبو داود [ ص: 172 ] الطيالسي في مسنده، وأبو نعيم، والبيهقي في دلائل النبوة قوله: "ثم أتي بطست" بفتح الطاء وكسرها، ويقال بالإدغام: طس وهو الإناء المعروف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيه تور" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وبالراء، وهو إناء يشرب فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "محشوا" كذا وقع بالنصب على الحال، وقال بعضهم: حال من الضمير في الجار والمجرور، والتقدير بطست كائن من ذهب، فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا كلام من لم يشم شيئا من العربية، والذي يتصدى لشرح مثل هذا الكتاب يتكلم في ألفاظ الأحاديث النبوية مثل هذا الكلام، أفلا يعلم أنه يعرض ما يقوله على ذوي الألباب والبصائر، والذي يقال: إن محشوا حال من التور الموصوف بقوله: "من ذهب".

                                                                                                                                                                                  قوله: "إيمانا" قال بعضهم: منصوب على التمييز وهذا أيضا تصرف واه، وإنما هو مفعول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "محشوا" لأن اسم المفعول يعمل عمل فعله. وقوله: "وحكمة" عطف عليه.

                                                                                                                                                                                  قيل: الإيمان والحكمة معنيان فكيف يحشى بهما؟ وأجيب بأن معناه أن الطست كان فيه شيء يحصل به كما لهما، فالمراد سببهما مجازا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فحشا به صدره" حشا على بناء المعروف، وفيه ضمير يرجع إلى جبريل عليه السلام، وصدره منصوب على المفعولية، وهذا هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره حشي على بناء المجهول، وصدره مرفوع به.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولغاديده" بفتح اللام وبالغين المعجمة وبالدالين المهملتين جمع لغد، وقال الجوهري: اللغاديد هي اللحمات يعني التي بين الحنك وصفحة العنق، واحدها لغدود أو لغديد، ويقال له أيضا: لغد وجمعه ألغاد، وقد فسرها في الحديث بقوله: "يعني عروق حلقه".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم عرج به" بفتح الراء أي: صعد به، قوله: "إلى السماء الدنيا" فإن قلت: كيف كان مجيئه من عند بئر زمزم بعد الشق والإطباق إلى سماء الدنيا؟ قلت: إن كانت القصة متعددة فلا إشكال، وإن كانت متحدة ففي الكلام حذف كثير، تقديره، ثم أركبه البراق إلى بيت المقدس، ثم أتى بالمعراج.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ما يريد الله به في الأرض" كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره بما يريد أي: على لسان من شاء كجبريل عليه السلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يطردان " أي: يجريان.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: هذا يخالف حديث مالك بن صعصعة، فإن فيه بعد ذكر سدرة المنتهى "فإذا في أصلها أربعة أنهار" قلت: أصل نبعهما من تحت سدرة المنتهى، ومقرهما في السماء الدنيا، ومنها ينزلان إلى الأرض فالنيل نهر مصر والفرات بالتاء الممدودة في الخط وصلا ووقفا نهر عليه ريف العراق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عنصرهما" أي: عنصر النيل والفرات، وقال الكرماني: بضم الصاد وفتحها وهو مرفوع بالبدلية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أذفر" بالذال المعجمة وبالفاء والراء مسك جيد إلى الغاية شديد ذكاء الريح، فإن قلت: الكوثر في الجنة والجنة في السماء السابعة لما روى أحمد، عن حميد الطويل، عن أنس رفعه: "دخلت الجنة، فإذا فيها نهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي مجرى مائه، فإذا مسك أذفر، فقال جبريل عليه السلام: هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى".

                                                                                                                                                                                  قلت: أجيب بأنه يمكن أن يكون في هذا الموضع شيء محذوف، تقديره: ثم مضى به من السماء الدنيا إلى السماء السابعة وفيه تأمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة" قيل: مر في آخر كتاب الفضائل أن موسى كان في السادسة وإبراهيم في السابعة، وأجيب بأن النووي قال: إن كان الإسراء مرتين فلا إشكال، وإن كان مرة واحدة فلعله وجده في السادسة، ثم ارتقى هو أيضا إلى السابعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بتفضيل كلام الله" أي: بسبب أن له فضلا بكلام الله إياه، وهذا هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره "بفضل كلام الله".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد" كذا هو في رواية الكشميهني "أن يرفع" على صيغة المجهول، وأحد بالرفع به، وفي رواية غيره "أن ترفع علي" صيغة المعلوم، خطاب الله عز وجل، وأحدا مفعول "ترفع" وقال ابن بطال: فهم موسى عليه السلام من اختصاصه بكلام الله عز وجل له في الدنيا دون غيره من البشر بقوله تعالى: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي أن المراد بالناس هنا البشر كلهم، فلما فضل الله محمدا عليه بما أعطاه من المقام المحمود وغيره ارتفع على موسى وغيره بذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم علا به" أي: ثم علا جبريل بالنبي عليهما الصلاة والسلام بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، أي: منتهى علم الملائكة، أو منتهى صعودهم، أو أمر الله تعالى، أو أعمال العباد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ودنا الجبار" قيل: مجاز عن قربه المعنوي وظهور منزلته عند الله "وتدلى" أي: طلب زيادة القرب، وقاب قوسين هو منه صلى الله تعالى عليه وسلم عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة، ومن الله إجابته ورفيع درجته إليه، والقاب ما بين [ ص: 173 ] مقبض القوس والسية بكسر السين وخفة التحتانية، وهي ما عطف من طرفيها، ولكل قوس قابان، وقيل: أصله "قابي قوس".

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي: ليس في هذا الكتاب حديث أبشع مذاقا منه؛ لقوله: "ودنا الجبار فتدلى" فإن الدنو يوجب تحديد المسافة، والتدلي يوجب التشبيه بالمخلوق الذي تعلق من فوق إلى أسفل، ولقوله: "وهو مكانه" لكن إذا اعتبر الناظر لا يشكل عليه، وإن كان في الرؤيا فبعضها مثل ضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله.

                                                                                                                                                                                  ثم إن القصة إنما حكاها بحليتها أنس بعبارته من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن شريكا كثير التفرد بمناكير لا يتابعه عليها سائر الرواة، ثم إنهم أولوا التدلي فقيل: تدلى جبريل عليه السلام بعد الارتفاع حتى رآه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم متدليا كما رآه مرتفعا، وقيل: تدلى محمد شاكرا لربه على كرامته، ولم يثبت في شيء صريحا أن التدلي مضاف إلى الله تعالى، ثم أولوا مكانه بمكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ماذا عهد إليك ربك" أي: أمرك أو أوصاك، قال: "عهد إلي خمسين صلاة" فيه حذف تقديره: عهد إلي أن أصلي وآمر أمتي أن يصلوا خمسين صلاة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن نعم" هذا هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره أي نعم، وكلمة أن بالفتح وسكون النون مفسرة، فهي في المعنى هنا مثل أي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إنه لا يبدل القول لدي" قيل: ما تقول في النسخ فإنه تبديل القول؟ وأجيب بأنه ليس هذا تبديلا بل هو بيان انتهاء الحكم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في أم الكتاب" هو اللوح المحفوظ.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قد والله راودت" قيل: قد حرف لازم دخوله على الفعل، وأجيب بأنه داخل عليه، والقسم مقحم بينهما لتأكيده، وجواب القسم محذوف، أي: والله قد راودت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "راودت بني إسرائيل" من المراودة وهي المراجعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أبدانا" والفرق بين البدن والجسم أن البدن من الجسد ما دون الرأس والأطراف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كل ذلك يلتفت" وفي رواية الكشميهني "يلتفت".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فرفعه" وفي رواية المستملي "يرفعه" بالياء آخر الحروف والأول أولى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عند الخامسة" أي: عند المرة الخامسة. قال الكرماني: إذا خفف كل مرة عشر ففي المرة الأخيرة خمس تكون هذه الدفعة سادسة، ثم أجاب بقوله: ليس فيه هذا الحصر، فربما خفف بمرة واحدة خمسة عشر، وأراد به عند تمام الخامسة، وقيل: هذا التنصيص على الخامسة على أنها الأخيرة يخالف رواية ثابت، عن أنس أنه وضع عنه في كل مرة خمسا، وأن المراجعة كانت تسع مرات، قلت: كأن الكرماني لم يقف على رواية ثابت؛ فلذلك أغفلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ارجع إلى ربك فليخفف عنك" هذا أيضا بعد قوله: "إنه لا يبدل القول لدي" قال الداودي: لا يثبت هذا التواطؤ، الروايات على خلافه، وما كان موسى عليه السلام ليأمره بالرجوع بعد أن يقول الله تعالى له ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال فاهبط بسم الله" ظاهر السياق يشعر بأن القائل بقوله: اهبط بالخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه موسى عليه الصلاة والسلام وليس كذلك، بل القائل بذلك هو جبريل عليه السلام، وبذلك جزم الداودي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "واستيقظ" أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحال أنه في المسجد الحرام.

                                                                                                                                                                                  قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء; لأن إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنما كان بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهدة الملأ الأعلى؛ لقوله تعالى: لقد رأى من آيات ربه الكبرى فلم يرجع إلى حال بشريته إلا وهو بالمسجد الحرام.

                                                                                                                                                                                  وأما قوله في أوله: "بينا أنا نائم" فمراده في أول القصة، وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه. وفي قوله في الرواية الأخرى: "بينا أنا بين النائم واليقظان أتاني الملك" إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما وجه تخصيص موسى عليه السلام بالقضية المذكورة دون غيره ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام؟

                                                                                                                                                                                  قلت: إما لأنه في السابعة فهو أول من وصل إليه، أو لأن أمته أكثر من أمة غيره وإيذاءهم له أكثر من غيره، أو لأن دينه فيه الأحكام الكثيرة والتشريعات العظيمة الوافرة؛ إذ الإنجيل مثلا أكثر مواعظ.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: في حديث مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنه أنه لقيه في الصعود في السادسة؟

                                                                                                                                                                                  قلت: يحتمل أن موسى عليه السلام صعد إلى السابعة من السادسة، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهبوط في السابعة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية