الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  757 178 - حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا شعبة ، عن أبي يعفور قال : سمعت مصعب بن سعد يقول : صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني أبي ، وقال : كنا نفعله فنهينا عنه ، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب " .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله : وهم خمسة ; الأول : أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري ، الثاني : شعبة بن الحجاج ، الثالث : أبو يعفور بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الفاء بعدها واو ساكنة ثم راء ، واسمه وقدان بفتح الواو وسكون القاف وبالدال المهملة ثم بالألف والنون ، العبدي الكوفي والد يونس بن أبي يعفور ويقال : اسمه واقد ، والأول أشهر ، وهو أبو يعفور الأكبر وهو الصحيح ، جزم به المزي وغيره ، وزعم النووي أنه يعفور الصغير عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس وليس بشيء لأن الصغير ليس مذكورا في الآخرين عن مصعب ولا في أشياخ شعبة ، الرابع : مصعب بن سعد بن أبي وقاص أبو زرارة المدني مات سنة ثلاث ومائة ، الخامس : أبوه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه القول في أربعة مواضع أحدها بصيغة المضارع ، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، فالتابعي الأول هو أبو يعفور والثاني مصعب ، وفيه رواية الابن عن الأب .

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه غيره : أخرجه مسلم أيضا في الصلاة ، عن قتيبة وأبي كامل ، كلاهما عن أبي عوانة ، وعن خلف بن هشام ، عن أبي الأحوص ، وعن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، ثلاثتهم عن أبي يعفور به ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، وعن الحكم بن موسى ، عن عيسى بن يونس ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ، وأخرجه أبو داود فيه ، عن حفص بن عمر ، عن شعبة به ، وأخرجه الترمذي ، عن قتيبة به ، وأخرجه النسائي فيه ، عن قتيبة به ، وعن عمرو بن علي ، عن يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد به ، وابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن محمد بن بشر ، عن إسماعيل به .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه . قوله : " فطبقت بين كفي " قال الكرماني : أي جعلتهما على حد واحد وألزقتهما ، قلت : طبقت من التطبيق ، وهو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد . قوله : " كنا نفعله " فنهينا عنه وأمرنا أي كنا نفعل التطبيق فنهينا عنه بضم النون على صيغة المجهول ، وكذلك أمرنا على صيغة المجهول ، وقد علم أن قول الصحابي كنا نفعل وأمرنا ونهينا محمول على أنه أمر لله ولرسوله ونهي عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ; لأن الصحابي إنما يقصد الاحتجاج به لإثبات شرع وتحليل وتحريم وحكم يوجب كونه مشروعا ، وقد اختلفوا في هذه الصيغ ، والراجح أن حكمها الرفع لما ذكرنا . قوله : " أيدينا “ أي أكفنا من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء ، وفي رواية مسلم من طريق أبي عوانة ، عن أبي يعفور بلفظ " وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب " .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : استدل بهذا الحديث الثوري والأوزاعي وابن سيرين والحسن البصري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم على أن المصلي إذا ركع يضع يديه على ركبتيه شبه القابض عليهما ويفرق بين أصابعه ، واحتجوا [ ص: 64 ] أيضا بما رواه الطحاوي من حديث أبي مسعود البدري " ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر حديثا طويلا قال : " ثم ركع فوضع كفيه على ركبتيه وفضلة أصابعه على ساقيه " وبما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع وضع يديه على ركبتيه " رواه الطحاوي أيضا ، وبما رواه أبو داود من حديث أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : " اشتكى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال : استعينوا بالركب " وأخرجه الترمذي أيضا ولفظه " اشتكى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال : استعينوا بالركب " ورواه الطحاوي أيضا ولفظه : " اشتكى الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم التفرج في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم : استعينوا بالركب " فإن قلت : لم يستدل أبو داود ولا الترمذي بهذا الحديث على وضع الأيدي بالركب في الركوع ، أما أبو داود فإنه ذكره في باب رخصة افتراش اليدين في السجود ، وأما الترمذي فإنه ذكره في الاعتماد في السجود ، قلت : قوله صلى الله عليه وسلم : " استعينوا بالركب " أعم من أن يكون في الركوع أو في السجود ، والمعنى استعينوا بأخذ الأيدي على الركب ; ولهذا أخرجه الطحاوي لأجل الاستدلال للجماعة المذكورين ، واحتج أيضا بما رواه من حديث أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي ، عن أبي عبد الرحمن ، قال عمر رضي الله تعالى عنه : " أمسوا فقد سنت لكم الركب " وأخرجه الترمذي ولفظه : " قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : إن الركب سنة لكم فخذوا بالركب " وفي رواية له : " سنت لكم الركب فأمسكوا بالركب " قوله : “ أمسوا " أمر من الإمساس ، والمعنى أمسوا أيديكم ركبكم فقد سنت لكم الركب ، يعني سن إمساسها والأخذ بها ، وصورة الأخذ قد ذكرناها عن قريب ، وفي المغني لابن قدامة قال أحمد : ينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويعتمد على ضبعيه وساعديه ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه ، ثم قال الطحاوي : هذه الآثار معارضة لما رواه إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال : أصلى هؤلاء خلفكم ؟ فقالا : نعم ، فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله ، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على الركب فضرب أيدينا فطبق ثم طبق بيديه فجعلهما بين فخذيه ، فلما صلى قال : هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم " وبه أخذ إبراهيم وعلقمة والأسود وأبو عبيدة ، ثم قال الطحاوي : ومع الآثار المذكورة من التواتر ما ليس مع حديث علقمة والأسود فاعتبرنا في ذلك فإذا أبو بكر قد حدثنا ، وساق حديث الباب فقد ثبت به نسخ التطبيق ، وأنه كان متقدما لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من وضع اليدين على الركبتين ، وقد روى ابن المنذر ، عن ابن عمر بإسناد قوي قال : إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة ، يعني التطبيق ، وقال بعضهم : حمل حديث ابن مسعود على أنه لم يبلغه النسخ ، قلت : ابن مسعود أسلم قديما وهو صاحب نعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يلبسه إياها إذا قام وإذا جلس أدخلها في ذراعه ، وكان كثير الولوج على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولم يفارقه إلى أن مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وكيف خفي عليه أمر وضع اليدين على الركبتين ، وكيف لم يبلغه النسخ ، وقد روى عبد الرزاق ، عن علقمة والأسود قالا : " صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر رضي الله تعالى عنه فصلينا معه فطبقنا ، فلما انصرف قال : ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك " ولم يأمرهما عمر رضي الله عنه بالإعادة ، فدل على أحد الشيئين ، أحدهما أن النهي الوارد فيه كراهة التنزيه لا التحريم ، والآخر يدل على التخيير ، والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عاصم بن ضمرة ، عن علي رضي الله تعالى عنه قال : إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا ، يعني وضعت يديك على ركبتيك ، وإن شئت طبقت ، وإسناده حسن ، فهذا ظاهر في أنه رضي الله تعالى عنه كان يرى التخيير ، وقول بعضهم : إما لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه ليس بظاهر ; لأن التخيير ينافي الكراهة ، وقد وردت الحكمة في إيثار التفريج على التطبيق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أورده سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك ، فأجابت بما محصله أن التطبيق من صنيع اليهود وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية