الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  758 179 - ( حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان قال : سمعت زيد بن وهب قال : رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود قال : ما صليت ، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - عليها ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، مع أن الحديث يشمل السجود أيضا ، ولكنه كما ذكرنا أنه لما ذكر بابا مستقلا للسجود اكتفى في الترجمة بذكر الركوع .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) :

                                                                                                                                                                                  سليمان هو الأعمش وزيد بن وهب أبو سلمان الجهني الكوفي ، خرج إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في الطريق ، مات سنة ست وتسعين ، وقد مر في باب الإبراد بالظهر . وحذيفة ابن اليمان رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والعنعنة في موضع ، وفيه السماع ، وفيه القول في أربعة مواضع .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي أيضا في الصلاة ، عن أحمد بن سليمان ، عن يحيى بن آدم ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف عنه نحوه .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما حكم هذا الحديث ؟ قلت : حكمه حكم الرفع ; لأن الصحابي إذا قال : من السنة كذا ، أو سن كذا ، كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يخلو عن خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه :

                                                                                                                                                                                  قوله : “ رأى رجلا " لم يعرف اسمه . قوله : " لا يتم الركوع والسجود " وفي رواية عبد الرزاق " فجعل ينقر ولا يتم ركوعه " وفي رواية أحمد ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة " فقال : مذ كم صليت ؟ قال : منذ أربعين سنة " وفي رواية النسائي " منذ أربعين عاما " ويشكل حمله على ظاهره ; لأن حذيفة ، مات سنة ست وثلاثين ، فعلى هذا يكون ابتداء صلاة الرجل المذكور قبل الهجرة بأربع سنين أو أكثر ، ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد ، ويمكن أن البخاري لم يذكر ذلك لهذا المعنى .

                                                                                                                                                                                  قلت : يمكن أن يكون ذكر هذه المدة بطريق المبالغة ، وقال بعضهم : لعله كان ممن كان يصلي قبل إسلامه ، ثم أسلم ، فحصلت المدة المذكورة فيه من الأمرين ، وفيه نظر لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ما صليت " قال بعضهم : هو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته : " فإنك لم تصل " وقال التيمي : أي ما صليت صلاة كاملة .

                                                                                                                                                                                  قلت : فعلى هذا يرجع النفي إلى الكمال لا إلى حقيقة الصلاة ، وهو الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد ; لأن الطمأنينة في الركوع ليست بفرض عندهما خلافا لأبي يوسف .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ولو مت " بكسر الميم وضمها من مات يمات ومات يموت . قوله : " على غير الفطرة " وقال الخطابي : الفطرة الملة ، أراد بهذا الكلام توبيخه على سوء فعله ليرتدع في المستقبل من صلاته ، عن مثل فعله ، كقوله : " من ترك الصلاة فقد كفر " فإنما هو توبيخ لفاعله وتحذير له من الكفر ، أي سيؤديه ذلك إليه إذا تهاون بالصلاة ، ولم يرد به الخروج عن الدين ، وقد تكون الفطرة بمعنى السنة ، كما جاء : " خمس من الفطرة السواك وأخواته " .

                                                                                                                                                                                  وقال : وترك إتمام الركوع وأفعال الصلاة على وجهين ; أحدهما إيجازها وتقصير مدة اللبث فيها . وثانيهما الإخلال بأصولها واخترامها حتى لا تقع أشكالها على الصور التي تقتضيها أسماؤها في حق الشريعة ، وهذا النوع هو الذي أراده حذيفة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ عليها “ أي على الفطرة ، وهذه اللفظة وقعت في رواية الكشميهني ، وليست بموجودة عند غيره .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه :

                                                                                                                                                                                  استدل به أبو يوسف والشافعي وأحمد على أن الطمأنينة في الركوع والسجود فرض ، وفي ( التحفة ) قال أبو يوسف : طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة فرض ، وفي الإسبيجابي الطمأنينة ليست بفرض في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنها فرض ، وقال إمام الحرمين : في قلبي شيء في وجوب الطمأنينة في الاعتدال ، فلو أتى بالركوع الواجب فعرضت عليه علة من الانتصاب سجد في ركوعه ، وسقط عنه الاعتدال ، فإن زالت العلة قبل بلوغ [ ص: 66 ] جبهته الأرض وجب أن يرتفع وينتصب قائما ويعتدل ، ثم يسجد ، وإن زالت بعد وضع جبهته على الأرض لم يرجع إلى الاعتدال ، بل سقط عنه ، فإن عاد إليه قبل تمام سجوده بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه . انتهى ، وقال السرخسي : من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة ، وقال أبو اليسر : تلزمه الإعادة ، وتكون الثانية هي الفرض ، وقال أبو حنيفة ومحمد : الطمأنينة ليست بفرض . وبه قال بعض أصحاب مالك ، فإذا لم تكن فرضا ، فهي سنة ، هذا في تخريج الجرجاني ، وفي تخريج الكرخي واجبة ، ويجب سجود السهو بتركها ، وفي ( الجواهر ) للمالكية : لو لم يرفع رأسه من ركوعه وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم ، عن مالك ، ولم تجب في رواية علي بن زياد ، وقال ابن القاسم : من لم يرفع من الركوع والسجود رأسه ، ولم يعتدل - يجزئه ويستغفر الله ، ولا يعود ، وقال أشهب : لا يجزئه . قال أبو محمد : إن من كان إلى القيام أقرب الأولى أن يجب ، فإن قلنا بوجوب الاعتدال تجب الطمأنينة ، وقيل : لا تجب . وبه استدل قوم على تكفير تارك الصلاة ; لأن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى . وأجيب بأن هذا من قبيل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يزني الزاني وهو مؤمن " نفى عنه اسم الإيمان للمبالغة في الزجر ، وتمام الجواب عنه بما ذكره الخطابي ، وقد ذكرناه آنفا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية