الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  770 191 - ( حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد ، ثم يقول : الله أكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين ، ويفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، ثم يقول حين ينصرف : والذي نفسي بيده ، إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا ، قالا : وقال أبو هريرة رضي الله عنه : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يرفع رأسه يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول : اللهم أنج الوليد ابن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف . وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ثم يقول : الله أكبر حين يهوي ساجدا " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : كلهم ذكروا غير مرة . وأبو اليمان الحكم بن نافع ، وشعيب بن أبي حمزة . والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار كذلك في موضع ، والإخبار بصورة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه ثلاثة بالكنى ، وفيه الزهري يروي عن اثنين ، وفيه أن رواته ما بين حمصيين ومدنيين . والحديث أخرجه أبو داود في الصلاة عن عمرو بن عثمان ، عن أبيه . وأخرجه النسائي فيه عن نصر بن علي وسوار بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) :

                                                                                                                                                                                  قوله : “ أن أبا هريرة كان يكبر " وزاد النسائي من طريق يونس ، عن الزهري حين استخلفه مروان على المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ثم يقول : الله أكبر " إنما قال هنا : " الله أكبر " بالجملة الاسمية ، وفي سائر المواضع : " ثم يكبر " بالجملة الفعلية المضارعية ; لأن سياق الكلام يدل على ما يدل عليه عقد الباب على هذا التكبير ، فأراد أن يصرح بما هو المقصود نصا على لفظه .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ حين ينصرف “ أي من الصلاة . قوله : " إن كانت هذه لصلاته " كلمة " إن " هذه مخففة من الثقيلة ، وأصلها إنه أي إن الشأن . وقوله : " هذه " اسم كانت إشارة إلى الصلاة التي صلاها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه . وقوله : " لصلاته " خبر كانت واللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو داود في سننه بعد أن روى هذا الحديث : هذا الكلام الأخير يجعله مالك والزبيدي وغيرهما ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه يعني يجعله مرسلا ، قاله بعضهم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : هو قسم من أقسام المدرج ، ولكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو الحسين رضي الله تعالى عنهما أو أبو الحسن المدني ، وهو زين العابدين رضي الله تعالى عنه ، وقال أحمد بن عبد الله : هو تابعي ، ثقة ، توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ قالا " يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين ، وهو موصول بالإسناد [ ص: 80 ] المذكور إليهما .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ يدعو " قال الكرماني : هو خبر آخر ، أو هو عطف على " يقول " بدون حرف العطف . ( قلت ) : الأوجه أن يكون حالا من الضمير الذي في " يقول " من الأحوال المقدرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ لرجال “ أي من المسلمين واللام تتعلق بقوله : " يدعو " . قوله : " فيسميهم " الفاء فيه للتفسير . قوله : " أنج " بفتح الهمزة أمر من أنجى ينجي إنجاء ، والأمر في مثل هذا التماس وطلب .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ الوليد " بفتح الواو وكسر اللام في اللفظين ، والوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي أخو خالد بن الوليد ، أسر يوم بدر كافرا ، فلما أفدي أسلم فقيل له : هلا أسلمت قبل أن تفتدى ، فقال : كرهت أن يظن بي أني أسلمت جزعا ، فحبس بمكة ، ثم أفلت من إسارتهم بدعاء رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الذهبي : أسره عبد الله بن جحش يوم بدر ، وذهبوا به إلى مكة ، فأسلم ، فحبسوه بمكة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو له في القنوت ، ثم إنه نجا فتوصل إلى المدينة ، فمات بها في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ وسلمة بن هشام " بالنصب عطفا على ما قبله أي أنج سلمة بن هشام بن المغيرة ، المذكور آنفا ، أخو أبي جهل ، وكان قديم الإسلام ، وعذب في الله ، ومنعوه أن يهاجر إلى المدينة . قال الذهبي : هاجر إلى الحبشة ، ثم قدم مكة ، فمنعوه من الهجرة وعذبوه ، ثم هاجر بعد الخندق ، وشهد مؤتة ، واستشهد بمرج الصفرة ، وقيل : بأجنادين .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ وعياش " - بفتح العين وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف شين معجمة - ابن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة المذكور ، وهو أخو أبي جهل أيضا لأمه ، أسلم قديما ، وأوثقه أبو جهل بمكة ، قتل يوم اليرموك بالشام . وهؤلاء الثلاثة أسباط المغيرة كل واحد منهم ابن عم الآخر .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ والمستضعفين " أي وأنج المستضعفين من المؤمنين ، وهو من قبيل عطف العام على الخاص ، عكس قوله : وملائكته وجبريل . قوله : " اشدد " بضم الهمزة أمر من شد . قوله : " وطأتك " بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وفتح الهمزة من الوطء ، وهو الدوس بالقدم في الأصل ، ومعناه هاهنا خذهم أخذا شديدا ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                  ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد ثابت الهرم

                                                                                                                                                                                  وكان حماد بن سلمة يرويه : " اللهم اشدد وطأتك على مضر " الوطء الإثبات والغمز في الأرض . ومضر - بضم الميم وفتح الضاد المعجمة - ابن نزار بن معد بن عدنان ، وهو شعب عظيم فيه قبائل كثيرة كقريش وهذيل وأسد وتميم وضبة ومزينة والضباب وغيرهم . ومضر شعب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتقاقه من اللبن المضير ، وهو الحامض ، قاله ابن دريد .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ اجعلها “ أي الوطأة . قوله : " كسني يوسف " أي كالسنين التي كانت في زمن يوسف عليه الصلاة والسلام مقحطة ، ووجه الشبه امتداد زمان المحنة والبلاء والبلوغ غاية الشدة والضراء ، وجمع السنة بالواو والنون شاذ من جهة أنه ليس لذوي العقول ، ومن جهة تغير مفرده بكسر أوله ; ولهذا جعل بعضهم حكمه كحكم المفردات وجعل نونه متعقب الإعراب كقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                  دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) :

                                                                                                                                                                                  فيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع ، إلا في رفعه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده ، وفيه في قوله : " ثم يكبر حين يركع " إلى آخره - دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يسرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى حد الراكعين ، ثم يشرع في تسبيح الركوع ، ويبدأ بالتكبير حين يشرع في الهوي إلى السجود ، ويمده حتى يضع جبهته على الأرض ، ثم يشرع في تسبيح السجود ، وفيه يبدأ في قوله : " سمع الله لمن حمده " حتى يشرع في الرفع من الركوع ويمده حتى ينتصب قائما .

                                                                                                                                                                                  ثم هل يجمع بين التسميع والتحميد ؟ قد ذكرنا الخلاف فيه . وظاهر هذا الحديث أنه يجمع بينهما ، وعند أبي حنيفة يكتفي بالتسميع إن كان إماما ، وقد مر وجهه . وفيه أنه يشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول : ويمده حتى ينتصب قائما ، هذا مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائما . وبه قال مالك ، وقال الخطابي : فيه إثبات القنوت ، وأن موضعه عند الرفع من الركوع . وقد قلنا : إن هذا منسوخ وبينا وجهه .

                                                                                                                                                                                  وقال : وفيه أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة . قلنا : النسخ شمل الكل .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية