الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  799 219 - حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث الوجه الذي ذكرناه في الحديث السابق .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا ، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، ومرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ، وفي آخره دال مهملة ، ويزن - بفتح الياء آخر الحروف والزاي ، وفي آخره نون - بطن من حمير ، وتقدم ذكره في باب إطعام الطعام من الإسلام .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن رجال إسناده كلهم سوى طرفيه مصريون ، وفيه رواية التابعي عن التابعي ، عن الصحابي ، فالتابعيان هما يزيد ابن أبي حبيب وأبو الخير ، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي ، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الدعوات ، عن عبد الله بن يوسف . وأخرجه مسلم في الدعوات عن محمد بن رمح وقتيبة . وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به . وأخرجه النسائي في الصلاة ، وفي [ ص: 119 ] القنوت ، عن قتيبة به . وأخرجه ابن ماجه في الدعاء ، عن محمد بن رمح به . ورواه غير واحد ، فجعله من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ، منهم عمرو بن الحارث خالف الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ، ولفظه : " عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : إن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - " هكذا رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث ، وأما مقتضى رواية الليث بن سعيد ، عن يزيد ابن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبي بكر إلى آخره أن الحديث من مسند أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث ، فإن لفظه " عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قلت : يا رسول الله " أخرجه البزار من طريقه ، ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة هذا الحديث ، وقد أخرج البخاري طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد ، عن يحيى بن سلمان ، عن عمرو ، وكذا أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق ابن وهب ، وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما ، وبين ابن خزيمة في روايته أنه عبد الله بن لهيعة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) :

                                                                                                                                                                                  قوله : “ أدعو به " جملة في محل النصب ; لأنها صفة لقوله : " دعاه " الذي هو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله : " علمني " .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ في صلاتي " ظاهره عموم جميع الصلاة ، ولكن المراد في حالة القعود بعد التشهد قبل السلام ، كما حققنا هكذا فيما مضى ، وقد قال الشيخ تقي الدين : لعله يترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل ، ونازعه بعضهم فقال : الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين ، أي السجود والتشهد . ( قلت ) : لا دليل له على دعوى الأولوية ، بل الدليل الصريح قام على أن محله في الجلسة ، وقد مضى بيانه في أول الباب الذي قبله .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ظلمت نفسي " يعني بإتيان ما يوجب العقوبة . قوله : " ظلما كثيرا " بالثاء المثلثة ويروى بالباء الموحدة ، وكذا هو في رواية مسلم ، وقال النووي : فينبغي أن يقول : ظلما كبيرا كثيرا .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ولا يغفر الذنوب إلا أنت " جملة معترضة بين قوله : " ظلمت نفسي ظلما كثيرا " وبين قوله : " فاغفر لي مغفرة " . وفائدة هذه الجملة الإشارة إلى الإقرار بأن الله هو الذي يغفر الذنوب ، وليس ذلك لغيره ، وفي الحقيقة هو إقرار أيضا بالوحدانية ; لأن من صفته غفران الذنوب هو الموصوف بالوحدانية ، والتنوين في قوله : " مغفرة " يدل على أنه غفران لا يكتنه كنهه .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ من عندك " إشارة إلى مزيد ذلك التعظيم ; لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصف الواصفين ، وقال ابن الجوزي : هو طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من جهة العبد من عمل صالح وغيره ، وحاصله : هب لي المغفرة ، وإن لم أكن أهلا لها بعملي ، وكمل الكلام ، وختمه بقوله : " وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " ، وفي هاتين الصفتين مقابلة حسنة ; لأن قوله : " الغفور " مقابل لقوله : " اغفر لي " وقوله : “ الرحيم " مقابل لقوله : " ارحمني " ولنا أن نقول : فيه لف ونشر مرتب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) :

                                                                                                                                                                                  فيه طلب التعليم من العالم في كل ما فيه خير ; خصوصا الدعوات التي فيها جوامع الكلم ، وفيه الاعتراف بالتقصير ونسبة الظلم إلى نفسه ، وفيه الاعتراف بأن الله سبحانه هو المتفضل المعطي من عنده رحمة على عباده من غير مقابلة عمل حسن ، وفيه استحباب قراءة الأدعية في آخر الصلاة من الدعوات المأثورة أو المشابهة لألفاظ القرآن ، وقال الكرماني : قالت الشافعية : يجوز الدعاء في الصلاة بما شاء من أمر الدنيا والآخرة ما لم يكن إثما ، قال ابن عمر : لأدعو في صلاتي حتى بشعير حماري وملح بيتي . انتهى ، وقد ذكرنا فيما مضى أنه لا يدعو إلا بالأدعية المأثورة أو بما يشبه ألفاظ القرآن لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ; إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " ، وهو من أفراد مسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية