الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  72 14 - حدثنا علي ، حدثنا سفيان قال : قال لي ابن أبي نجيح : عن مجاهد قال : صحبت ابن عمر إلى المدينة ، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا ; قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار ، فقال : إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم ! فأردت أن أقول هي النخلة ، فإذا أنا أصغر القوم ، فسكت ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : هي النخلة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن من الشجر ... " الحديث - كان على سبيل الاستعلام منهم ، [ ص: 53 ] وأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فهم ذلك العلم ولكنه منعه عن الإبداء حياؤه وصغره .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم خمسة ; الأول : علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح - بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة - السعدي مولاهم ، أبو الحسن المديني الإمام المبرز في هذا الشأن . وقال البخاري : ما استصغرت نفسي عند أحد قط إلا عند ابن المديني . وقال : علي خير من عشرة آلاف مثل الشاذكوني . وقال عبد الرحمن : علي أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خاصة . وقال السمعاني وغيره : كان أعلم أهل زمانه بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم . وعنه قال : تركت من حديثي مائة ألف حديث ، منها ثلاثون ألفا لعباد بن صهيب . وقال الأعين : رأيت علي بن المديني مستلقيا وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى بن معين عن يساره ، وهو يملي عليهما . روى عنه أحمد وإسماعيل القاضي والذهلي وأبو حاتم والبخاري وغيرهم ، وروى أبو داود والترمذي عن رجل عنه ، ولم يخرج له مسلم شيئا ، أخرج البخاري عنه عن ابن عيينة وابن علية وعن القطان ومروان بن معاوية وغيرهم ، ولد سنة إحدى وستين ومائة بسامرا ، وقال البخاري : مات بالعسكر لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : سفيان بن عيينة ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : عبد الله بن يسار ، وكنية يسار أبو نجيح مولى الأخنس بن شريق ، قال يحيى القطان : كان قدريا . وقال أبو زرعة : مكي ثقة ، يقال فيه يرى القدر ، صالح الحديث . وقال علي : سمعت يحيى يقول : ابن أبي نجيح من رؤساء الدعاة . أخرج البخاري في العلم والجنائز وفي غير موضع عن شعبة والثوري وابن عيينة وإبراهيم بن نافع وابن علية عنه عن عطاء ومجاهد وعبد الله بن كثير ، وعن أبيه عن مسلم ، ولم يخرج البخاري لأبيه شيئا ، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : مجاهد بن جبر - بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة ، وقيل جبير - أبو الحجاج المخزومي ، مولى عبد الله بن السائب ، من الطبقة الثانية من تابعي أهل مكة وفقهائها ، إمام متفق على جلالته وإمامته وتوثيقه ، وهو إمام في الفقه والتفسير والحديث ، روى عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة ، وأخرج له البخاري في باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم - عن الحسن بن عمر وعنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة . وهو مرسل كما قال الدارقطني ; مجاهد لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص ، وإنما سمعه من جنادة بن أبي أمية عن ابن عمرو ، وكذلك رواه مروان عن الحسن بن عمرو عنه ، وأنكر شعبة وابن أبي حاتم سماعه من عائشة ، وكذا ابن معين ، لكن حديثه عنها في الصحيحين . وقال مجاهد : قال لي ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : وددت أن نافعا يحفظ كحفظك ! وقال يحيى القطان : مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء . وقال مجاهد : عرضت القرآن على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثلاثين مرة . مات سنة مائة ، وقيل اثنتين ، وقيل ثلاث ، وقيل أربع - عن ثلاث وثمانين سنة ، وقد رأى هاروت وماروت وكاد يتلف ، وليس في الكتب الستة مجاهد بن جبر غير هذا ، وفي مسلم والأربعة مجاهد بن موسى الخوارزمي شيخ ابن عيينة ، وفي الأربعة مجاهد بن وردان عن عروة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  بيان الأنساب : السعدي في قبائل ; ففي قيس غيلان سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس غيلان ، وفي كنانة سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناف ، وفي أسد بن خزيمة سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، وفي مراد سعد بن غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد ، وفي طيئ سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيئ ، وفي تميم سعد بن زيد مناة بن تميم ، وفي خولان قضاعة سعد بن خولان ، وفي جذام سعد بن إياس بن حرام بن حزام ، وفي خثعم سعد بن مالك المديني بإثبات الياء آخر الحروف نسبة إلى المدينة وكان أصله من المدينة ونزل البصرة . وقال السمعاني : والأصل فيمن ينسب إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال فيه مدني بحذف الياء ، وإلى غيرها بإثبات الياء ، واستثنوا هذه فقالوا : المديني - بإثبات الياء .

                                                                                                                                                                                  المخزومي نسبة إلى مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو في قريش ، وفي عبس أيضا مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث والعنعنة والسماع ، ومنها أن رواته ما بين بصري ومكي وكوفي ، ومنها أن فيه سفيان قال " قال لي ابن أبي نجيح " ولم يقل حدثني ، وفي مسند الحميدي عن سفيان " حدثني ابن أبي نجيح " . وقال الكرماني : روي عن [ ص: 54 ] مجاهد معنعنا وعن ابن أبي نجيح بلفظ " قال " ، والبخاري لا يذكر المعنعن إلا إذا ثبت السماع ، ولا يكتفي بمجرد إمكان السماع كما اكتفى به مسلم ، فالمعنعن إذا لم يكن من المدلس كان أعلى درجة من " قال " ; لأن " قال " إنما تذكر عند المجاورة لا على سبيل النقل والتحميل ، ثم في لفظة " لي " إشارة إلى أنه جاور معه وحده . وقال البخاري : كلما قلت قال لي فلان فهو عرض ومناولة - فما روي عن سفيان يحتمل أن يكون عرضا لسفيان أيضا .

                                                                                                                                                                                  وبقية ما فيه من الكلام من تعدد موضعه ومن أخرجه ولغاته وإعرابه ومعانيه قد مرت في أوائل كتاب العلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " صحبت ابن عمر رضي الله عنهما إلى المدينة " ، اللام فيها للعهد ; أي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر مبتدأ الصحبة ، قال الكرماني : والظاهر أنه من مكة ، وفيه الدلالة على أن ابن عمر كان متوقيا للحديث ، وقد كان علم قول أبيه : أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قاله ابن بطال . وقال الشيخ قطب الدين : قد يكون تركه لغير هذا الوجه إما لعدم نشاط الاشتغال بمؤنة السفر وتعبه أو لعدم السؤال . قلت : يمكن التوفيق بينهما بأنه كان يتوقى الحديث ما لم يسأل ، فإذا سئل أجاب وأكثر الجواب عند كثرة السؤال ; فإنه كان من المكثرين في الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله " يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " حال عن الضمير المنصوب في " لم أسمعه " .

                                                                                                                                                                                  قوله " إلا حديثا " أراد به الحديث الذي بعده متصلا به .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأتي " بضم الهمزة .

                                                                                                                                                                                  قوله " بجمار " بضم الجيم وتشديد الميم ، وهو شحم النخيل ، وهو الذي يؤكل منه ، وفي العباب : ويقال له الجامور أيضا .

                                                                                                                                                                                  قوله " مثلها " بفتح الميم ; أي صفتها العجيبة ، والمثل وإن كان بحسب اللغة الصفة لكن لا تستعمل إلا عند الصفة العجيبة .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأردت أن أقول " ; أي في جواب الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال " حدثوني ما هي " كما علم من سائر الروايات .

                                                                                                                                                                                  قوله " فسكت " بضم التاء على صيغة المتكلم ، وسكوته كان استحياء وتعظيما للأكابر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية