الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  886 51 - حدثنا مسدد قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين يقعد بينهما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ; لأنه يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقعد بين الخطبتين .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد تكرر ذكرهم ، ورواه مسلم عن عبيد الله بن عمر القواريري ، والنسائي عن إسماعيل بن مسعود ، وابن ماجه عن يحيى بن خلف ، ورواه النسائي أيضا من رواية عبد الرزاق بلفظ " كان يخطب خطبتين بينهما جلسة " ، وفي لفظ " مرتين " مكان " خطبتين " ، ورواه أبو داود من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين ، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أراه المؤذن ، ثم يقوم فيخطب ، ثم يجلس ولا يتكلم ، ثم يقوم فيخطب " ، واستدل به على مشروعية الجلوس بين الخطبتين ، ولكن هل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب ؟ فذهب الشافعي إلى أن ذلك على سبيل الوجوب ، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها سنة ، وليست بواجبة كجلسة الاستراحة في الصلاة عند من يقول باستحبابها .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر : ذهب مالك والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي إلى أن الجلوس بين الخطبتين سنة لا شيء على من تركها ، وذهب بعض الشافعية إلى أن المقصود الفصل ، ولو بغير الجلوس حكاه صاحب ( الفروع ) ، وقيل : الجلسة بعينها ليست معتبرة ، وإنما المعتبر حصول الفصل سواء حصل بجلسة أو بسكتة أو بكلام من غير ما هو فيه .

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي ابن كج : إن هذا الوجه غلط .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن قدامة : هي مستحبة للاتباع ، وليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم ; لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة ، وفي ( التوضيح ) : وصرح إمام الحرمين بأن الطمأنينة بينهما واجبة ، وهو خفيف جدا قدر قراءة سورة الإخلاص تقريبا ، وفي وجه شاذ : يكفي السكوت في حق القائم ; لأنه فصل ، وذكر ابن التين أن مقدارها كالجلسة بين السجدتين ، وعزاه لابن القاسم ، [ ص: 229 ] وجزم الرافعي وغيره أن يكون بقدر سورة الإخلاص ، وحكي وجه بوجوب هذا المقدار ، حكاه الرافعي عن رواية الروياني ، ولفظ الروياني : ولا يجوز أقل من ذلك نص عليه .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : حديث الباب دال على السنية ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله ، ولم يقل لا يجزيه غيره ; لأن البياض فرض عليه .

                                                                                                                                                                                  وقال الطحاوي : لم يقل بوجوب الجلوس بين الخطبتين غير الشافعي ، قيل : حكى القاضي عياض عن مالك رواية كمذهب الشافعي . قلت : ليست هذه الرواية عنه صحيحة .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : وفي الحديث أن خطبة الجمعة خطبتان ، وفيه الجلوس بينهما لاستراحة الخطيب ، ونحوها ، وهما واجبتان لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " صلوا كما رأيتموني أصلي " . قلت : هذا أصل لا يتناول الخطبة ; لأنها ليست بصلاة حقيقة .

                                                                                                                                                                                  وقال أحمد : روي عن أبي إسحاق أنه قال : رأيت عليا يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ ، وفي ( شرح الترمذي ) : وفيه اشتراط خطبتين لصحة الجمعة ، وهو قول الشافعي وأحمد في روايته المشهورة عنه ، وعند الجمهور : يكتفى بخطبة واحدة ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر ، وهو رواية عن أحمد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية