الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  887 52 - حدثنا آدم قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي عبد الله الأغر ، عن أبي هريرة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كبشا ، ثم دجاجة ، ثم بيضة ، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ، ويستمعون الذكر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ويستمعون الذكر " أي : الخطبة .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله ، وهم خمسة : الأول : آدم بن أبي إياس ، الثاني : محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، الثالث : محمد بن مسلم الزهري ، الرابع : أبو عبد الله ، واسمه سلمان الجهني مولاهم معدود في أهل المدينة ، وأصله من أصفهان ، ولقبه الأغر بفتح الهمزة ، والغين المعجمة ، وتشديد الراء ، الخامس : أبو هريرة رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أحد الرواة مذكور بكنيته ولقبه ، والآخر بنسبته إلى جده ، والآخر بنسبته إلى قبيلته ، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده ، وفيه أنه خراساني سكن عسقلان ، والبقية مدنيون .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن أحمد بن يونس ، وأخرجه مسلم في الجمعة عن أبي الطاهر بن السرح ، وحرملة بن يحيى ، وعمرو بن سواد ، وأخرجه النسائي في الصلاة عن نصر بن علي ، وفي الملائكة عن أحمد بن عمرو والحارث بن مسكين ، وعمرو بن سواد ، وعن سويد بن نصر ، وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وأخرج أيضا فيهما عن محمد بن خالد .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله : " المهجر " أي : المبكر إلى المسجد ، قوله : “ يهدي " أي : يقرب .

                                                                                                                                                                                  وقد استوفينا معناه في باب فضل الجمعة ; لأنه روي عن أبي هريرة قريبا من هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه الإنصات إلى الخطبة ، وهو مطلوب بالاتفاق ، وفي ( التوضيح ) : والجديد الصحيح من مذهب الشافعي أنه لا يحرم الكلام ، ويسن الإنصات ، وبه قال عروة بن الزبير ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والنخعي والثوري ، وداود ، والقديم أنه يحرم ، وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد رحمهم الله .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : استماع الخطبة واجب وجوب سنة عند أكثر العلماء ، ومنهم من جعله فريضة ، وروي عن مجاهد أنه قال : لا يجب الإنصات للقرآن إلا في موضعين في الصلاة [ ص: 230 ] والخطبة ، ثم نقل عن أكثر العلماء أن الإنصات واجب على من سمعها ومن لم يسمعها ، وأنه قول مالك ، وقد قال عثمان : للمنصت الذي لا يسمع من الأجر مثل ما للمنصت الذي يسمع ، وكان عروة لا يرى بأسا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة .

                                                                                                                                                                                  وقال أحمد : لا بأس أن يذكر الله ويقرأ من لم يسمع الخطبة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر : لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات لها على من سمعها .

                                                                                                                                                                                  واختلف فيمن لم يسمعها . قال : وجاء في هذا المعنى خلاف عن بعض التابعين فروي عن الشعبي ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وابن بردة أنهم كانوا لا يتكلمون والإمام يخطب إلا في قراءة القرآن في الخطبة خاصة لقوله تعالى : فاستمعوا له وأنصتوا وفعلهم مردود عند أهل العلم ، وأحسن أحوالهم أنهم لم يبلغهم الحديث في ذلك ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قلت لصاحبك أنصت " ، الحديث ; لأنه حديث انفرد به أهل المدينة ، ولا علم لمتقدمي أهل العراق به .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن قدامة : وكان سعيد بن جبير وإبراهيم بن مهاجر ، وأبو بردة ، والنخعي ، والشعبي يتكلمون والحجاج يخطب ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  وقال أصحابنا : إذا اشتغل الإمام بالخطبة ينبغي للمستمع أن يجتنب ما يجتنبه في الصلاة ; لقوله عز وجل : فاستمعوا له وأنصتوا وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قلت لصاحبك أنصت " ، الحديث ، فإذا كان كذلك يكره له رد السلام وتشميت العاطس ، إلا في قول جديد للشافعي : إنه يرد ويشمت .

                                                                                                                                                                                  وقال شيخ الإسلام : والأصح أنه يشمت ، وفي ( المجتبى ) قيل : وجوب الاستماع مخصوص بزمن الوحي ، وقيل : في الخطبة الأولى دون الثانية لما فيها من مدح الظلمة ، وعن أبي حنيفة إذا سلم عليه يرده بقلبه ، وعن أبي يوسف يرد السلام ، ويشمت العاطس فيها ، وعن محمد يرد ويشمت بعد الخطبة ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في قلبه .

                                                                                                                                                                                  واختلف المتأخرون فيمن كان بعيدا لا يسمع الخطبة ، فقال محمد بن سلمة : المختار السكوت وهو الأفضل ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي ، وقال نصر بن يحيى : يسبح ويقرأ القرآن ، وهو قول الشافعي ، وأجمعوا أنه لا يتكلم ، وقيل : الاشتغال بالذكر ، وقراءة القرآن أفضل من السكوت .

                                                                                                                                                                                  وأما دراسة الفقه ، والنظر في كتب الفقه وكتابته فقيل : يكره ، وقيل : لا بأس به .

                                                                                                                                                                                  وقال شيخ الإسلام : الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب ، وفي ( الكامل ) : ويقضي الفجر إذا ذكره في الخطبة ، ولو تغذى بعد الخطبة أو جامع فاغتسل يعيد الخطبة ، وفي الوضوء في بيته لا يعيد .

                                                                                                                                                                                  ثم اختلف العلماء في وقت الإنصات ، فقال أبو حنيفة : خروج الإمام يقطع الكلام والصلاة جميعا ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ، ويستمعون الذكر " ، وقالت طائفة : لا يجب الإنصات إلا عند ابتداء الخطبة ، ولا بأس بالكلام قبلها ، وهو قول مالك والثوري ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي والشافعي .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : وقالت الحنفية : يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام ، وورد فيه حديث ضعيف . قلت : حديث الباب هو حجة للحنفية وحجة عليهم ، بالتأمل يدرى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية