الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  906 1 - حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق ، فأخذها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هذه لباس من لا خلاق له ، فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج ، فأقبل بها عمر ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنك قلت : إنما هذه [ ص: 267 ] لباس من لا خلاق له ، وأرسلت إلي بهذه الجبة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تبيعها وتصيب بها حاجتك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الأخير من الترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ورجاله بهذا النسق قد ذكروا غير مرة ، وأبو اليمان الحكم بن نافع ، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي أيضا في «الزينة" عن عبيد الله بن فضالة ، عن أبي اليمان به ، وقد مر أكثر الكلام فيه في «كتاب الجمعة" في «باب ما يلبس أحسن ما يجد" قوله : "أخذ عمر" بهمزة وخاء وذال معجمتين كذا هو في معظم الروايات ، وفي بعض النسخ "وجد عمر" بواو وجيم وكذا أخرجه الإسماعيلي ، والطبراني في « مسند الشاميين " وغير واحد من طرق إلى أبي اليمان شيخ البخاري فيه ، قيل : هو الصواب ، وقال الكرماني : أراد من أخذ ملزومه وهو الشراء ، قلت : الشراء لم يقع ، ولكن إن أراد به السوم فله وجه ، قوله : "جبة" الجبة بضم الجيم وتشديد الباء معروفة ، وجمعها جباب ، قال الجوهري : الجباب ما يلبس من الثياب ، قوله : "من إستبرق" الإستبرق بكسر الهمزة الغليظ من الديباج ، والديباج الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب ، وقد تفتح داله ويجمع على ديابيج ، ودبابيج بالياء والباء لأن أصله دباج بالتشديد ، قوله : "تباع في السوق" جملة في محل الجر لأنها صفة لإستبرق قوله : "فأخذها” أي عمر رضي الله تعالى عنه ، وهذا من الأخذ بلا خلاف ، وفائدة التكرار التأكيد إذا كان الأخذ في الموضعين سواء ، وأما على نسخة "وجد" فلا يجيء معنى التأكيد ، قوله : "ابتاع هذه" إشارة إلى الجبة المذكورة ، وقال الكرماني : هذه إشارة إلى نوع تلك الجبة لا إلى شخصها ، قلت : ظاهر التركيب يشهد لصحة ما ذكرته ، وقوله : "ابتاع" أمر وقياسه حذف الألف ولكن بعض الرواة أشبع فتحة التاء فصار ابتاع ، وهذه رواية أبي ذر عن المستملي ، والسرخسي ، ورواية الأكثرين : "ابتع" بحذف الألف على الأصل ، وعلى الوجهين ، قوله : "تجمل" مجزوم لأنه جواب الأمر ، وأصل تجمل تتجمل بتاءين ، فحذفت إحدى التاءين كما في قوله تعالى نارا تلظى أصله تتلظى ، وقيل : آبتاع بهمزة استفهام ممدودة على صيغة لفظ المتكلم ، ومعناه : أأشتري ، فعلى هذا يكون تجمل مرفوعا ، قوله : "للعيد والوفود" وتقدم في «كتاب الجمعة للجمعة بدل العيد" وهي رواية نافع ، والتي هنا رواية سالم ، وكان ابن عمر ذكرهما معا ، فأخذ كل راو واحدا منهما ، والوفود جمع وفد ، وقال الكرماني : القصة واحدة ، والجمعة أيضا عيد ، قوله : "تبيعها وتصيب بها حاجتك" وفي رواية الكشميهني "أو تصيب" ومعنى الأول تنتفع بثمنها ، ومعنى الثاني : تجعلها لبعض نسائك مثلا .

                                                                                                                                                                                  ( ومن فوائده ) استحباب التجمل بالثياب في أيام الأعياد والجمع ، وملاقاة الناس ، ولهذا لم ينكر الشارع إلا كونها حريرا ، وهذا على خلاف بعض المتقشفين ، وقد روي عن الحسن البصري أنه خرج يوما وعليه حلة يمان ، وعلى فرقد جبة صوف ، فجعل فرقد ينظر ، ويمس حلة الحسن ، ويسبح ، فقال له : يا فرقد ، ثيابي ثياب أهل الجنة ، وثيابك ثياب أهل النار يعني القسيسين ، والرهبان ، ثم قال له : يا فرقد ، التقوى ليست في هذا الكساء ، وإنما التقوى ما وقر في الصدر وصدقه العمل ، وفيه استفهام الصحابة عند اختلاف القول والفعل ليعلموا الوجه الذي ينصرف إليه الأمر ، وفيه ائتلاف الصحابة بالعطاء ، وقبول العطية إذا لم يجر عن مسألة ، وفضل الكفاف ، وفيه جواز بيع الحرير للرجال والنساء ، وهبته ، وهذا الحديث أغلظ حديث جاء في لبس الحرير .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية