الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  78 20 - حدثنا أبو القاسم خالد بن خلي ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : قال الأوزاعي : أخبرنا الزهري [ ص: 75 ] عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس ، فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ فقال أبي : نعم ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه يقول : بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال : أتعلم أحدا أعلم منك ؟ قال موسى : لا ، فأوحى الله عز وجل إلى موسى : بلى عبدنا خضر ، فسأل السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له : إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه ، فكان موسى صلى الله عليه وسلم يتبع أثر الحوت في البحر ، فقال فتى موسي لموسى : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره قال موسى : ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا ، فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ، وقد عقد على هذا الحديث بابين بترجمتين :

                                                                                                                                                                                  الأول : باب ما ذكر في ذهاب موسى عليه السلام في البحر إلى الخضر .

                                                                                                                                                                                  والثاني هذا الباب ، والتفاوت في بعض الرواة ، فإن هناك عن محمد بن غرير ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، عن ابن شهاب هو الزهري ، وهاهنا عن أبي القاسم خالد بن خلي ، عن محمد بن حرب ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، وكذا التفاوت في بعض الألفاظ ، فإن هناك قال ابن عباس : " هو خضر " بعد قوله في صاحب موسى ، وقبل قوله " فمر بهما أبي بن كعب " وهناك : " هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم " وهاهنا : " هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهناك قال : " نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهاهنا " نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه " وهناك : " جاء رجل " في أكثر الروايات ، وهاهنا : " إذ جاءه " وهناك : " فقال : هل تعلم أحدا ؟ " وهاهنا : " فقال : تعلم أحدا ؟ " وهناك : " فكان يتبع الحوت " وهاهنا : " فكان موسى يتبع أثر الحوت " وهناك : " فقال لموسى فتاه : أريت " وهاهنا : " فقال فتى موسى لموسى : أرأيت " ووقع ها هنا في رواية ابن عساكر " تمارى والحر " بغير لفظة هو ، وهو عطف على المرفوع المتصل بغير التأكيد بالمنفصل ، وذلك جائز عند الكوفيين ، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى .

                                                                                                                                                                                  وكذا الكلام في رجاله ما خلا شيخ البخاري والأوزاعي ، أما شيخه فهو أبو القاسم خالد بن خلي الحمصي الكلاعي من حديث عبد الوارث بن سعيد عن القاسم بن عبد الواحد ، عن ابن عقيل ، عن جابر ، انفرد به البخاري عن مسلم ، وهو قاضي حمص ، صدوق ، أخرج له ها هنا ، وفي التعبير : روى عن بقية وطبقته ، وعنه ابنه محمد وأبو زرعة الدمشقي ، وأخرج له من أهل السنن : النسائي فقط ، و " خلي " بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وتشديد الياء على وزن علي ، وقال بعضهم : وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة ، وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ ، قلت : ليس الزركشي ضبطه هكذا ، وإنما قال بخاء معجمة مفتوحة ولام مكسورة وياء مشددة بوزن علي .

                                                                                                                                                                                  وأما الأوزاعي فهو أحد الأعلام ، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد ، وقيل كان اسمه عبد العزيز فسمى نفسه عبد الرحمن ، أحد أتباع التابعين ، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى أن مات في سنة سبع وخمسين ومائة آخر خلافة أبي جعفر ، دخل الحمام فذهب الحمامي في حاجة وأغلق عليه الباب ، ثم جاء ففتح عليه الباب فوجده ميتا متوسدا يمينه مستقبل القبلة رحمه الله ، وكان مولده ببعلبك سنة ثمان وثمانين ، وكان أصله من سبي الهند ، روى عن عطاء ومكحول وغيرهما ، ورأى ابن سيرين ، وعنه قتادة ويحيى بن أبي كثير وهما من شيوخه ، وكان رأسا في العبادة والعلم ، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقالهم إلى مذهب مالك ، وسئل عن الفقه - يعني استفتي - وهو ابن ثلاث عشرة ، وقيل إنه أفتى في ثمانين ألف مسألة ، ونسبته إلى الأوزاع بفتح الهمزة ، قيل : إنها قرية بقرب دمشق خارج باب الفراديس ، سميت بذلك لأنه سكنها في صدر الإسلام قبائل شتى ، وقيل الأوزاع بطن من حمير ، وقيل من همدان بسكون الميم ، وقيل هو نسبة إلى [ ص: 76 ] أوزاع القبائل أي فرقها وبقاياها مجتمعة من قبائل شتى .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث والإخبار والعنعنة ، ومنها أن فيه حدثنا محمد بن حرب ، قال الأوزاعي : وفي رواية الأصيلي حدثنا الأوزاعي ، ومنها أن فيه أخبرنا الزهري ، وفي الطريق السابقة عن صالح عن ابن شهاب ، وابن شهاب هو الزهري ، وهذا الاختلاف من جملة ضبط البخاري وقوة احتياطه حيث يقول تارة ابن شهاب وتارة الزهري وتارة محمد بن مسلم ; لأنه ينقله في كل موضع باللفظ الذي نقله شيخه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية