الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  961 49 - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ! اللهم أنج سلمة بن هشام! اللهم أنج الوليد بن الوليد! اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين! اللهم اشدد وطأتك على مضر! اللهم اجعلها سنين كسني يوسف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة; لأنها صيغت من قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ! " ، وقد مضى حديث أبي هريرة هذا مطولا في باب يهوي بالتكبير حين يسجد. أخرجه البخاري هناك عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة - أن أبا هريرة كان يكثر. .. الحديث. وفي آخره: قال أبو هريرة : (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ويدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم، فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين! اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) . وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له. انتهى.

                                                                                                                                                                                  وهاهنا أخرج بزيادة قوله: " وأن النبي صلى الله عليه وسلم " إلى آخره عن قتيبة بن سعيد ، عن المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الزاي، المدني عن أبي الزناد بالزاي، والنون عبد الله بن ذكوان ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج . وقد فسرنا هناك معنى الحديث مستوفى.

                                                                                                                                                                                  قوله: " المستضعفين " - عام بعد خاص، والوطأة، بفتح الواو، وهو الدوس بالقدم. وسمي بها الإهلاك; لأن من يطأ على شيء برجله، فقد استقصى في إهلاكه. والمعنى: خذهم أخذا شديدا. والضمير في (اجعلها) يرجع إلى الوطأة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " كسني يوسف " ، وجه الشبه غاية الشدة، وأشار به إلى قوله تعالى: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد وقوله: تزرعون سبع سنين وسنين جمع سنة بالفتح، وهو القحط، والجدب، قال الله تعالى: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين .

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأن النبي صلى الله عليه وسلم " إلى آخره - حديث آخر، وهو عند البخاري بالإسناد المذكور، فكأنه سمعه هكذا، فأورده كما سمعه. وقد أخرجه أحمد كما أخرجه البخاري .

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم من حديث خيثم بن عراك عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها! أما إني لم أقلها، ولكن قالها الله " . وروى أيضا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله! وعصية عصت الله، ورسوله " .

                                                                                                                                                                                  وروى أيضا خفاف بن إيماء الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة: (اللهم العن بني لحيان ورعلا ، وذكوان ! وعصية عصوا الله، ورسوله، وغفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله) . وروى عن جابر أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها! "

                                                                                                                                                                                  وروى أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن علي بن يزيد ، عن المغيرة بن أبي برزة ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله! " ، ورواه أبو يعلى الموصلي نحوه، وزاد في آخره: " ما أنا قلته، ولكن الله عز وجل قاله! " .

                                                                                                                                                                                  وغفار بكسر الغين المعجمة، وتخفيف الفاء، وبالراء أبو قبيلة من كنانة ، وهي غفار بن مليك بن ضمرة بن بكر بن مناة بن كنانة . قال ابن دريد : هو من غفر إذا ستر، منهم أبو ذر الغفاري .

                                                                                                                                                                                  وأسلم بالهمزة، واللام المفتوحتين قبيلة أيضا من خزاعة ، وهي أسلم بن أقصى ، وهو خزاعة بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد . منهم سلمة الأكوع .

                                                                                                                                                                                  وفي مذحج أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة ابن مذحج . وفي بجيلة أسلم بطن هو أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أخمس بن الغوث بن بجيلة . ذكره ابن الكلبي .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 27 ] وقال ابن الأثير : ( غفار غفر الله لها!) يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة، أو إخبارا بأن الله تعالى قد غفر لها. وكذلك معنى ( أسلم سالمها الله) يحتمل أن يكون دعاء لها أن يسالمها الله تعالى، ولا يأمر بحربها، أو يكون إخبارا بأن الله قد سالمها، ومنع من حربها. وإنما خصت هاتان القبيلتان بالدعاء; لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  وفيه الدعاء بما يشتق من الاسم، كما يقال لأحمد: أحمد الله عاقبتك! ولعلي: أعلاك الله، وهو من جناس الاشتقاق. وفيه الدعاء على الظالم بالهلاك، والدعاء للمؤمنين بالنجاة . وقال بعضهم: إن كانوا منتهكين لحرمة الدين يدعى عليهم بالهلاك، وإلا يدعى لهم بالتوبة كما قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم اهد دوسا ، وأت بهم! "

                                                                                                                                                                                  وروي أن أبا بكر وزوجته رضي الله تعالى عنهما كانا يدعوان على عبد الرحمن ابنهما يوم بدر بالهلاك إذا حمل على المسلمين، وإذا أدبر يدعوان له بالتوبة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية