الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  989 75 - حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: أخبرنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد تكرر ذكرهم، وأبو اليمان الحكم بن نافع ، وشعيب ابن أبي حمزة ، وأبو الزناد بالزاي، والنون عبد الله بن ذكوان ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وقد ذكر هذا الحديث مطولا في كتاب الفتن، وذكر منه قطعا هنا، وفي الزكاة، وفي الرقاق.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا تقوم الساعة " أراد بها يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يقبض العلم " وذلك بموت العلماء، وكثرة الجهلاء، وقال السفاقسي : يعني: أكثرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " وتكثر الزلازل" ، قال المهلب : ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض، قال الله تعالى: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا والتخويف، والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة، والإعلان بالمعاصي، ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين زلزلت المدينة في أيامه قال: يا أهل المدينة ، ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم، فخشي أن تصيبه العقوبة معهم كما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث، ويبعث الله الصالحين على نياتهم " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويتقارب الزمان " ، قال ابن الجوزي : فيه أربعة أقوال:

                                                                                                                                                                                  أحدها: أنه قرب القيامة، ثم المعنى إذا قربت القيامة كان من شرطها الشح، والهرج.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أنه قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة ، كما جاء حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، قيل: واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنار.

                                                                                                                                                                                  والثالث: أنه قصر الأعمار بقلة البركة فيها.

                                                                                                                                                                                  والرابع: تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم.

                                                                                                                                                                                  ويكون المعنى: ويتقارب أهل الزمان، أي تتقارب صفاتهم في القبائح، ولهذا ذكر على أثره الهرج، والشح، وقال ابن التين : معنى ذلك قرب الآيات بعضها من بعض، وفي (حواشي المنذري ) قيل: معناه تطيب تلك الأيام حتى لا تكاد تستطال، بل تقصر، قال: وقيل: على ظاهره من قصر مددها، وقيل: تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، قال الطحاوي : وقد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة، وقيل: يتقارب الليل والنهار في عدم ازدياد الساعات وانتقاصها بأن يتساويا طولا وقصرا، قال أهل الهيئة: تنطبق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار، فحينئذ يلزم تساويهما ضرورة، وقال النووي : حتى يقرب الزمان من القيامة، وقال الكرماني : حاصل تفسيره أنه لا تكون القيامة حتى تقرب، وهذا كلام مهمل لا طائل تحته. (قلت): هذه جرأة من غير طريقة، وليس هذا الذي ذكره حاصل تفسيره، بل معنى كلامه [ ص: 58 ] يقرب الزمان العام بين الخلق من القيامة التي هي الزمان الخاص، وقال البيضاوي : أو يراد أن تتسارع الدول إلى الانقضاء فتقارب أيام الملوك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويكثر الهرج " ، بفتح الهاء، وسكون الراء، وفي آخره جيم، وهو القتال، والاختلاط، ورأيتهم يتهارجون، أي يتسافدون، قاله صاحب (العين)، وقال يعقوب : الهرج القتل، وقال ابن دريد : الهرج الفتنة في آخر الزمان، قال: وروي: " أمام الساعة هرج " ، وأصله الإكثار من الشيء، وفي المحكم الهرج شدة القتل، وكثرته، والهرج كثرة الكذب، وكثرة النوم، والهرج شيء تراه في النوم، وليس بصادق.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يكثر " ، وذلك لقلة الرجال وقلة الرغبات، ولقصر الآمال لعلمهم بقرب الساعة، قال الكرماني : (فإن قلت): لم ترك الواو، ولم يعطف على ما قبله، يعني: لم يقل: وحتى يكثر. (قلت): لأنه لا غاية لكثرة الهرج، ويحتمل أن يكون معطوفا على ما قبله، والواو محذوفة، وحذف الواو جائز في اللغة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فيفيض " ، بفتح حرف المضارعة، ويجوز في الضاد الرفع، والنصب، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فهو يفيض، وأما النصب فعلى أنه عطف على أن يكثر، يقال: فاض الماء يفيض إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي، أي جانبه، ويقال: أفاض الرجل إناءه، أي ملأه حتى فاض، ويقال: فيض المال كثرته حتى يفضل منه بأيدي ملاكه ما لا حاجة لهم به، وقيل: بل ينتشر في الناس، ويعمهم، وهو الأظهر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية