الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1044 129 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا موسى بن عقبة عن نافع قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي على راحلته ويوتر عليها ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " يصلي على راحلته " وقد ذكرنا أن لفظ الدابة في الترجمة يتناول الراحلة وغيرها.

                                                                                                                                                                                  وعبد الأعلى بن حماد مر في الغسل في "باب الجنب يخرج من المغتسل" ووهيب بضم الواو ابن خالد البصري ، وقد مر في كتاب العلم، وموسى بن عقبة مر في إسباغ الوضوء.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يصلي على راحلته " يعني في السفر، وصرح به في الحديث الذي يأتي في الباب الذي بعده، قوله: " ويوتر على راحلته " وقد احتج عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسالم بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر بهذا الحديث وأمثاله على أن المسافر يجوز له أن يصلي الوتر على راحلته ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، ويروى ذلك عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وكان مالك يقول: لا يصلي على الراحلة إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، وقال الأوزاعي والشافعي : قصير السفر وطويله سواء في ذلك يصلي على راحلته، وقال ابن حزم : يوتر المرء قائما وقاعدا لغير عذر إن شاء وعلى دابته، وقال أصحابنا: لا يجوز الوتر على الراحلة ولا يجوز إلا على الأرض كما في الفرائض، وبه قال محمد بن سيرين وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي ، ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله في رواية، واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي : حدثنا يزيد بن سنان قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان عن نافع " عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض ويزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يفعل " وإسناده صحيح، ويزيد بن سنان شيخ النسائي أيضا، وأبو عاصم النبيل شيخ البخاري ، وحنظلة روى له الجماعة، فهذا يعارض حديث الباب وأمثاله، ويؤيد هذا ما روي عن ابن عمر من غير هذا الوجه من فعله، رواه الطحاوي : حدثنا أبو بكرة قال: حدثنا عثمان بن عمر وبكر بن بكار قالا: حدثنا عمر بن ذر " عن مجاهد أن ابن عمر كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه به، فإذا كان في السحر نزل فأوتر " وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده" من حديث سعيد بن جبير " أن ابن عمر كان يصلي على راحلته تطوعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض " فإذا كان الأمر كذلك لا يبقى لأهل المقالة الأولى حجة، ولا سيما الراوي إذا فعل بخلاف ما روى فإنه يدل على سقوط ما روى.

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ): صلاة ابن عمر الوتر على الأرض لا تستلزم عدم جوازه عنده على الراحلة لأنه يجوز له أن يفعل ذلك، وله أن يوتر على الراحلة ( قلت ): يجوز أن يكون ما رواه ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وتره على الراحلة قبل أن يحكم أمر الوتر ويغلظ شأنه ; لأنه كان أولا كسائر التطوعات، ثم أكد بعد ذلك فنسخ، قال الطحاوي : فمن هذه الجهة ثبت نسخ الوتر على الراحلة، وكان ما فعله ابن عمر من وتره على الراحلة قبل علمه بالنسخ، ثم لما علمه رجع إليه وترك الوتر على الراحلة، ويجوز أن يكون الوتر عنده كالتطوع فله أن يصلي على الراحلة وعلى الأرض.

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ): ما وجه هذا النسخ ؟ ( قلت ): بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين معارضا للآخر بأن يكون أحدهما موجبا للحظر والآخر للإباحة، وينتفي هذا التعارض بالمصير إلى دلالة التاريخ وهو أن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة، فكان الأخذ به أولى وأحق.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : ( فإن قيل: ) فمذهبكم أنه واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني الوتر، ( قلنا: ) وإن كان واجبا عليه فقد صح فعله على الراحلة، ولو كان واجبا على العموم لم يصح على الراحلة كالظهر، فإن قالوا: الظهر فرض والوتر واجب وبينهما فرق، ( قلنا: ) هذا الفرق اصطلاح لكم لا يسلمه الجمهور ولا يقتضيه الشرع ولا اللغة، ولو سلم لم يحصل غرضكم ههنا. انتهى.

                                                                                                                                                                                  ( قلت ): الحديث رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع، الوتر والنحر وركعتا الفجر " رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه والدارقطني والطبراني والبيهقي ، ولفظ البيهقي " ركعتا الضحى " بدل " ركعتي [ ص: 140 ] الفجر، وفي إسناده أبو جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حية وهو ضعيف، ولما رواه الحاكم سكت عليه، ولئن سلمنا صحته وخصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجوبه، فالواجب لا يؤدى على الراحلة، ويحتمل أن يكون فعله على الراحلة من باب الخصوصية أيضا.

                                                                                                                                                                                  وقوله: لا يسلمه الجمهور كلام لا طائل تحته ; لأن الاصطلاح لا ينازع فيه، وقوله: ولا يقتضيه الشرع أبعد من ذلك; لأنه لم يبين ما المراد من اقتضاء الشرع وعدم اقتضائه، وقوله: ولا اللغة، كلام واه; لأن اللغة فرقت بين الفرض والواجب، ففي أي كتاب من كتب اللغة المعتبرة نص على أن الفرض والواجب واحد، وهذه مكابرة وعناد، وقوله: ولو سلم لم يحصل غرضكم ههنا فنقول: لو اطلع هذا على ما ورد من الأحاديث الدالة على وجوب الوتر وما ورد من الصحابة لما حصل له غرضه من هذه المناقشة بلا وجه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية