الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1053 136 - ( حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال: ما أنبأ أحد أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى غير أم هانئ ، ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة اغتسل في بيتها فصلى ثمان ركعات، فما رأيته صلى صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود ).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الضحى كانت نافلة في السفر، وأنه صلاها على الأرض، ولم يكن في دبر صلاة من الصلوات، فافهم.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا، وعمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء قد مر في "باب تسوية الصفوف"، وعبد الرحمن بن أبي ليلى قد مر في "باب حد إتمام الركوع"، وأم هانئ بالنون ثم الهمزة قد مر ذكرها في "باب التستر في الغسل"، واسمها فاختة وقيل هند بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا عن آدم ، وأخرجه في "المغازي" عن أبي الوليد ، وأخرجه مسلم في "الصلاة" عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كلاهما عن غندر عن شعبة ، وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر به، وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن المثنى به، وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن يزيد عن بهز عن شعبة به، وعن إبراهيم بن محمد التيمي عن يحيى عن سفيان عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه.

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ):

                                                                                                                                                                                  قوله: " ما أخبرنا أحد إلى آخره " قال ابن بطال : لا حجة في قول ابن أبي ليلى هذا، ويرد عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى وأمر بصلاتها من طرق جمة. منها حديث أبي هريرة الآتي في "باب صلاة الضحى في الحضر" قال: " أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث لا أدعهن حتى أموت، صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر " ومنها حديث أبي الدرداء عند مسلم قال: " أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث، فذكر ركعتي الضحى " ومنها حديث أبي ذر عند مسلم أيضا عنه " عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، بكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " ومنها حديث ابن عمر عند البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي من الضحى إلا يومين يوم يقدم مكة " وسيأتي. ومنها حديث ابن أبي أوفى عند الحاكم " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ركعتين حين بشر برأس أبي جهل وبالفتح " . ومنها حديث أنس رضي الله تعالى عنه عند الترمذي من حديث ثمامة بن أنس بن مالك عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة " وأخرجه ابن ماجه أيضا. ومنها [ ص: 146 ] حديث عقبة بن عامر عند أحمد وأبي يعلى " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم اكفني أول النهار بأربع ركعات أكفك من آخر يومك " هذا لفظ أحمد ، ولفظ أبي يعلى : " أتعجز ابن آدم أن تصلي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخر يومك " وفي التلويح " وعن عقبة بن عامر : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى " ومنها حديث عائشة عند الحاكم " سئلت: كم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى ؟ قالت: أربعا، ويزيد ما شاء الله " وأخرجه مسلم والنسائي في "الكبرى" وابن ماجه والترمذي في "الشمائل" من رواية معاذة العدوية قالت: " قلت لعائشة : أكان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يصلي الضحى ؟ قالت: نعم، أربعا، ويزيد ما شاء الله " وعند أحمد من حديث أم ذرة " قالت: رأيت عائشة تصلي الضحى وتقول: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلا أربع ركعات " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث نعيم بن همار عند أبي داود من رواية كثير بن مرة عنه قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره " وهما بفتح الهاء وتشديد الميم وفي آخره راء، ويقال: ابن هبار بالباء الموحدة موضع الميم، ويقال: ابن هدار بالدال المهملة، ويقال: ابن همام بميمين، ويقال: ابن خمار بالخاء المعجمة، ويقال: ابن حمار بكسر الحاء المهملة، وفي آخره راء، الغطفاني الشامي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا تعجزني " بضم التاء، وهذا مجاز كناية عن تسويف العبد عمله لله تعالى، والمعنى: لا تسوف صلاة أربع ركعات لي من أول نهارك أكفك آخر النهار من كل شيء من الهموم والبلايا ونحوهما. قوله: " أكفك " مجزوم لأنه جواب النهي.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي أمامة عند الطبراني في الكبير من رواية القاسم عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يقول: يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " والقاسم بن عبد الرحمن وثقه الجمهور وضعفه بعضهم. ومنها حديث بريدة عند ابن خزيمة في صحيحه " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة " فذكر حديثا فيه " فإن لم تجد فركعتا الضحى تكفيك " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث جابر رضي الله تعالى عنه عند الطبراني في الأوسط قال: " أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرض عليه بعيرا لي فرأيته صلى الضحى ست ركعات " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث ابن عباس عند الطبراني في الأوسط من رواية قيس بن سعد عن طاوس عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: على كل سلامى من بني آدم في كل يوم صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتا الضحى " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عند النسائي في سننه الكبرى، وعند أحمد وأبي يعلى من رواية أبي إسحاق سمع عاصم بن ضمرة " عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الضحى " وإسناده جيد.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث زيد بن أرقم عند مسلم " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الضحى " وإسناده جيد. ومنها حديث زيد بن أرقم عند مسلم " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أهل قباء وهم يصلون الضحى بعدما أشرقت الشمس فقال: إن صلاة الأوابين كانت إذا رمضت الفصال " . ومنها حديث أم سلمة عند الحاكم قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة " وفي شرح المهذب هو حديث ضعيف.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي سعيد الخدري عند الترمذي قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى حتى نقول: إنه لا يدعها، ويدعها حتى نقول: إنه لا يصليها " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب. ( قلت ): تفرد به الترمذي .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عتبة بن عبد عند الطبراني في الكبير من رواية الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن غابر أن أبا أمامة وعتبة بن عبد حدثناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح الله سبحة الضحى كان له أجر حاج ومعتمر " ورواه ابن زنجويه في كتاب الفضائل عن عتبة بن عبد عن أبي أمامة ، وقال: عتبة صحابي.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث معاذ بن أنس عند أبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " قال صاحب التلويح: في سنده كلام، وقال شيخنا زين الدين : إسناده ضعيف.

                                                                                                                                                                                  قلت: لأن في إسناده زبان بن فائد ضعفه ابن معين ، وقال أحمد : أحاديثه مناكير، ولكن أبو داود لما رواه سكت عليه، وسكوته دليل رضاه به، وقال أبو حاتم : زبان صالح. ومنها حديث حذيفة عن ابن أبي شيبة بإسناده عنه قال: " خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حرة بني معاوية فصلى الضحى ثمان ركعات طول فيهن " ومنها حديث أبي مرة الطائفي عند [ ص: 147 ] أحمد من رواية مكحول عنه قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " قال شيخنا زين الدين رحمه الله: هكذا وقع في المسند، فإما أن يكون سقط بعد أبي مرة ذكر الصحابي، وإما أن يكون مكحول لم يسمع من أبي مرة ، فإنه يقال: إنه لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أبي أمامة ، فأما أبو مرة فذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وقال: قيل: إنه ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صحبة له، وأبوه عروة بن مسعود الثقفي من كبار الصحابة، وقد وقع في المسند: سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كما تقدم، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي موسى عند الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن عياش عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة " وعياش بتشديد الياء آخر الحروف، وفي آخره شين معجمة.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عتبان بن مالك عند أحمد من رواية محمود بن ربيع " عن عتبان بن مالك أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - صلى في بيته سبحة الضحى " وقصة عتبان بن مالك في صلاة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في بيته في الصحيح، لكن ليس فيها ذكر سبحة الضحى، وإنما ذكره البخاري في الترجمة تعليقا فقال: باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث النواس بن سمعان عند الطبراني في الكبير من رواية أبي إدريس الخولاني قال: سمعت النواس بن سمعان " سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره " وإسناده صحيح.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد من رواية أبي عبد الرحمن الحبلي عنه قال: " بعث رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أدلكم على أقرب منه مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة، من توضأ ثم خرج إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة " رواه الطبراني أيضا في الكبير.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عائذ بن عمرو عند أحمد والطبراني في الكبير، وفيه: " ثم صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضحى " لفظ أحمد ، وقال الطبراني : " ثم صلى بهم صلاة الضحى " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي بكرة عند ابن عدي في الكامل من رواية عمرو بن عبيد عن الحسن " عن أبي بكرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى، فجاء الحسن وهو غلام فلما سجد ركب ظهره " الحديث. وعمرو بن عبيد متروك.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث جبير بن مطعم عند الطبراني في الكبير من رواية عثمان بن عاصم قال: " حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى ، وفي إسناده يحيى الحماني ، تكلم فيه.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أم حبيبة عند مسلم قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من عبد مسلم يصلي في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة " ذكر ضياء الدين المقدسي صلاة الضحى باثنتي عشرة ركعة، ثم ذكر هذا الحديث، وقد وردت أحاديث ظاهرها يعارض هذه الأخبار، وسنتكلم فيها في "باب صلاة الضحى في السفر" إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  قوله: " غير أم هانئ " برفع غير لأنه بدل من قوله: " أحد ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " يوم فتح مكة " ........ .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فصلى ثمان ركعات " هو في الأصل منسوب إلى الثمن لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها وفتحوا أوله لأنهم يغيرون في النسب وحذفوا منها إحدى يائي النسبة وعوضوا عنها الألف، وقد تحذف منه الياء ويكتفى بكسرة النون أو تفتح تخفيفا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أخف منها " أي: من هذه الثمان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " غير أنه " أي: غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتم الركوع والسجود، وهذا لدفع وهم من يظن أن إطلاق لفظ أخف ربما يقتضي التنقيص في الركوع والسجود، فدفعت أم هانئ ذلك بقولها: يتم الركوع والسجود.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية