الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1070 151 - حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام قال: أخبرنا معمر ح وحدثني محمود قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: كان الرجل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: نعم الرجل عبد الله [ ص: 169 ] لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " وذلك أن الرجل إذا كان يصلي بالليل يستحق أن يوصف بنعم الرجل هذا، واستحقاقه لذلك بسبب مباشرته صلاة الليل ، ولو لم يكن لصلاة الليل فضل لما استحق فاعلها الثناء الجميل، وفي رواية نافع عن ابن عمر في التعبير " إن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل " ، وهذا أصرح في المدح وأبين في المقصود.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ثمانية.

                                                                                                                                                                                  الأول: عبد الله بن محمد الجعفي المسندي .

                                                                                                                                                                                  الثاني: هشام بن يوسف الصنعاني .

                                                                                                                                                                                  الثالث: معمر بفتح الميمين ابن راشد .

                                                                                                                                                                                  الرابع: محمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة المروزي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عبد الرزاق بن همام .

                                                                                                                                                                                  السادس: محمد بن مسلم الزهري .

                                                                                                                                                                                  السابع: سالم بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  الثامن: أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وجعل خلف هذا الحديث في مسند ابن عمر ، وجعل بعضه في مسند حفصة ، وأورده ابن عساكر في مسند ابن عمر ، والحميدي في مسند حفصة ، وذكر في رواية نافع عن ابن عمر أنهما من مسند ابن عمر ، وقال: إذ لا ذكر فيها لحفصة ، فحاصله أنهم جعلوا رواية سالم من مسند حفصة ورواية نافع من مسند ابن عمر .

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في "باب نوم الرجال في المسجد" فيما مضى، وأخرجه فيما يأتي في "باب فضل من تعار من الليل" في مناقب ابن عمر ، وأخرجه مسلم في "فضائل عبد الله بن عمر " حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق " حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: كان الرجل في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وكنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار " الحديث.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: " كان الرجل " الألف واللام فيه لا تصلح أن تكون للعهد على ما لا يخفى، بل هي للجنس.

                                                                                                                                                                                  قوله: " رؤيا " على وزن فعلى بالضم بلا تنوين، وهو يختص بالمنام، كما أن الرأي يختص بالقلب والرؤية تختص بالعين.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قصها " من قصصت الرؤيا على فلان إذا أخبرته بها، وأقصها قصا، والقص البيان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فتمنيت أن أرى " ، وفي رواية الكشميهني " أني أرى " وزاد في التعبير من وجه آخر " فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء " ويؤخذ منه أن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا هي مطوية " كلمة إذا للمفاجأة، ومعنى مطوية مبنية الجوانب، فإن لم تبن فهي القليب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا لها قرنان " ، أي: جانبان، وقرنا الرأس جانباه، ويقال: القرنان منارتان عن جانبي البئر تجعل عليهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة. قال الكرماني : أو ضفيرتان، وفي بعضها: قرنين (فإن قلت): فما وجهه إذ هو مشكل ؟ (قلت): إما أن يقال: تقديره: فإذا لها مثل قرنين، فحذف المضاف وترك المضاف إليه على إعرابه، وهو كقراءة ( والله يريد الآخرة ) بجر الآخرة، أي: عرض الآخرة، وإما أن يقال: إذا المفاجأة تتضمن معنى الوجدان، فكأنه قال: فإذا وجدت لها قرنين كما يقول الكوفيون في قولهم: كنت أظن العقرب أشد لسعا من الزنبور، فإذا هو إياها، أن معناه: فإذا وجدته هو إياها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لم ترع " بضم التاء المثناة من فوق وفتح الراء وسكون العين المهملة، معناه: لم تخف، قال الجوهري : يقال: لا ترع، معناه: لا تخف ولا يلحقك خوف، وفي رواية الكشميهني " لن تراع " وزاد فيه "إنك رجل صالح"، وقال القرطبي : إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله بما هو ممدوح لأنه عرض على النار، ثم عوفي منها، وقيل له: لا روع عليك وذلك لصلاحه، غير أنه لم يكن يقوم من الليل، فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل مما يتقى به النار والدنو [ ص: 170 ] منها، فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك، وقال المهلب : السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد، ومن حق المسجد أن يتعبد فيه، فنبه على ذلك بالتخويف بالنار.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لو كان يصلي " كلمة لو للتمني لا للشرط، ولذلك لم يذكر لها جواب.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه قص الرؤيا على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لأنها من الوحي، وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما نطق به - صلى الله تعالى عليه وسلم -، وفيه تمني الرؤيا الصالحة ليعرف صاحبها ما له عند الله وتمني الخير والعلم والحرص عليه، وفيه جواز النوم في المسجد ولا كراهة فيه عند الشافعي ، وقال الترمذي : وقد رخص قوم من أهل العلم فيه، وقال ابن عباس : لا تتخذه مبيتا ومقيلا، وذهب إليه قوم من أهل العلم، وقال ابن العربي : وذلك لمن كان له مأوى، فأما الغريب فهو داره والمعتكف فهو بيته، ويجوز للمريض أن يجعله الإمام في المسجد إذا أراد افتقاده، كما كانت المرأة صاحبة الوشاح ساكنة في المسجد، وكما ضرب الشارع قبة لسعد رضي الله تعالى عنه في المسجد حين سال الدم من جرحه، ومالك وابن القاسم يكرهان المبيت فيه للحاضر القوي، وجوزه ابن القاسم للضعيف الحاضر، وفيه رؤية الملائكة في المنام وتحذيرهم للرائي لقوله: " فرأيت ملكين أخذاني "، وفيه الانطلاق بالصالح إليها في المنام تخويفا، وفيه الستر على مسلم وترك غيبته وذلك قوله: " وإذا فيها أناس قد عرفتهم " إنما أخبر بهم على الإجمال ليزدجروا وسكت عن بيانهم لئلا يغتابهم إن كانوا مسلمين، وليس ذلك مما يختم عليهم بالنار، وإما أن يكون ذلك تحذيرا كما حذر ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه القص على المرأة، وفيه تبليغ حفصة ، وفيه قبول خبر المرأة، وفيه استحياء ابن عمر عن قصه على النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، وفيه فضيلة قيام الليل ، وعليه بوب البخاري هذا الباب، وفيه أن قيام الليل منج من النار، وفيه فضل عبادة الشاب ، وفيه مدح لابن عمر ، وفيه تنبيه على صلاحه، وفيه كراهة كثرة النوم بالليل، وروى سعيد عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر مرفوعا " قالت أم سليمان لسليمان : يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة " والله أعلم بحقيقة الحال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية