الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1123 203 - حدثنا آدم، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى، وإني لأسبحها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس، واسمه عبد الرحمن ، وقيل غير ذلك، وابن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة هو محمد بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب هشام القرشي العامري، أبو الحارث المدني .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 241 ] والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب ، وقد تقدم هذا في "باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل" وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وقد مر الكلام فيه من أن السبحة بضم السين المهملة النافلة، وأن فيه رواية مالك ، عن ابن شهاب " لأستحبها " من الاستحباب، والفرق بين الروايتين أن لفظ أسبحها يقتضي الفعل، ولفظ أستحبها لا يقتضيه.

                                                                                                                                                                                  واعلم أنه قد روي في ذلك أشياء مختلفة عن عائشة ، فهذا يدل على نفي السبحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء عنها ما رواه مسلم من رواية عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه ، وجاء عنها أيضا ما رواه مسلم من رواية معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء ، وهذا كما رأيت يدل الأول على النفي مطلقا، والثاني على النفي المقيد، والثالث على الإثبات المطلق، وتكلموا في التوفيق بينها، فمال ابن عبد البر وآخرون إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه دون ما انفرد به مسلم ، وقالوا: إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدم من روى عنه من الصحابة الأثبات، وقيل: عدم رؤيتها أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في النادر لكونه أكثر النهار في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه; فإنها كان لها يوم من تسعة أيام أو ثمانية، وقال البيهقي : عندي أن المراد بقولها: " ما رأيته سبحها " أي داوم عليها، وقولها: وإني لأسبحها أي لأداوم عليها، وقيل: جمع بين قولها: ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه، وقولها: كان يصلي أربعا، ويزيد ما شاء بأن الأول محمول على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت، وقال عياض : قوله: " ما صلاها " معناه ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين قولها: كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها، وقيل يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة، بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفره لا بعدد مخصوص، ولا بغيره كما قالت: يصلي أربعا، ويزيد ما شاء الله تعالى، وذهب قوم إلى ظاهر الحديث المذكور، وأخذوا به ولم يروا صلاة الضحى حتى قال بعضهم: إنها بدعة، وقد ذكرنا أن ابن عمر قال ذلك أيضا، وقال مرة: ونعمت البدعة، وقال مرة: ما استبدع المسلمون بدعة أفضل منها، وروى الشعبي عن قيس بن عباد قال: كنت أختلف إلى ابن مسعود السنة كلها، فما رأيته مصليا الضحى ، وقال إبراهيم النخعي : حدثني من رأى ابن مسعود صلى الفجر ثم لم يقم لصلاة حتى أذن لصلاة الظهر، فقام فصلى أربعا ، وكان ابن عوف لا يصليها، وقال أنس رضي الله تعالى عنه: صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الفتح كانت سنة الفتح لا سنة الضحى ، ولما فتح خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الحيرة صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن، وقد ذكرنا الجواب عن ذلك فيما مضى، والله تعالى أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية