الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1130 210 - حدثني إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعقل مجة مجها في وجهه من بئر كانت في دارهم، فزعم محمود أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كنت أصلي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم [ ص: 248 ] واد، إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانا أتخذه مصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل، فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما اشتد النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وصففنا وراءه، فصلى ركعتين، ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل الدار رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك لا أراه، فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحب الله ورسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فقال: الله ورسوله أعلم، أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

                                                                                                                                                                                  قال محمود: فحدثتها قوما فيهم أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي توفي فيها، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم، فأنكرها علي أبو أيوب وقال: والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت قط، فكبر ذلك علي، فجعلت لله علي إن سلمني حتى أقفل من غزوتي أن أسأل عنها عتبان بن مالك رضي الله عنه إن وجدته حيا في مسجد قومه، فقفلت فأهللت بحجة أو بعمرة، ثم سرت حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم، فإذا عتبان شيخ أعمى يصلي لقومه، فلما سلم من الصلاة سلمت عليه وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث، فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة.


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصففنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم ".

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: إسحاق ذكره غير منسوب، لكن يحتمل أن يكون إسحاق بن راهويه أو إسحاق بن منصور ; لأن كليهما يرويان عن يعقوب الزهري ، والبخاري يروي عنهما، لكن الأظهر أن يكون إسحاق بن راهويه ، فإنه روى هذا الحديث في مسنده بهذا الإسناد، لكن في لفظه بعض المخالفة.

                                                                                                                                                                                  الثاني: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري .

                                                                                                                                                                                  الثالث: أبوه إبراهيم المذكور.

                                                                                                                                                                                  الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري .

                                                                                                                                                                                  الخامس: محمود بن الربيع أبو محمد الأنصاري الحارثي ، توفي سنة تسع وتسعين، وقد مر هذا الحديث في "كتاب الصلاة" في "باب المساجد في البيوت" فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير ، قال: حدثني الليث ، قال: حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه. .. الحديث، وقد مر الكلام فيه مستقصى ولنذكر الآن بعض شيء زيادة للبيان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وعقل مجة " وقد مر الكلام فيه في "كتاب العلم" في "باب متى يصح سماع الصغير" روى هناك، قال: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا أبو مسهر ، قال: حدثني محمد بن حرب ، قال: حدثني الزبيدي عن الزهري ، " عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو انتهى ".

                                                                                                                                                                                  [ ص: 249 ] وهاهنا قال: " من بئر كانت في دارهم " هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره: " كان في دارهم " أي كان الدلو.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فزعم محمود " أي أخبر أو قال، ويطلق الزعم ويراد به القول.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إذ جاءت " أي حين جاءت، ويجوز أن تكون إذ للتعليل، أي لأجل مجيء الأمطار.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فيشق علي " هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " فشق " بصيغة الماضي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قبل " بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، أي جهة مسجدهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " سأفعل فغدا علي " وهناك " سأفعل إن شاء الله تعالى قال عتبان : فغدا "، قوله: " بعد ما اشتد النهار "، وهناك " فغدا علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " أين تحب أن أصلي من بيتك " هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " نصلي " بنون الجمع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " على خزير " بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالراء، وهناك: " على خزير صنعناها له "، وهو طعام من اللحم والدقيق الغليظ.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ما فعل مالك " وهناك " فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخيشن، أو ابن الدخشن " الدخيشن بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الشين المعجمة وفي آخره نون، والدخشن بضم الدال وسكون الخاء وضم الشين وبالنون.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا أراه " بفتح الهمزة من الرؤية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين " وهناك " فإنا نرى وجهه ونصيحته للمنافقين " ويروى " إلى المنافقين "، قوله: " فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " وهناك " قال " بدون الفاء، ويروى هناك أيضا بالفاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال محمود بن الربيع " أي بالإسناد الماضي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أبو أيوب الأنصاري " هو خالد بن زيد الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قدم المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله: " صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " ، ويروى " صاحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " في غزوته " وكانت في سنة خمسين وقيل بعدها في خلافة معاوية ، ووصلوا في تلك الغزوة إلى القسطنطينية وحاصروها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويزيد بن معاوية عليهم " أي والحال أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كان أميرا عليهم من جهة أبيه معاوية .

                                                                                                                                                                                  قوله: " بأرض الروم " ، وهي ما وراء البحر الملح التي فيها مدينة القسطنطينية .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأنكرها " . أي القصة أو الحكاية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فكبر " بضم الباء الموحدة أي عظم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى أقفل " بضم الفاء، قال الكرماني : (فإن قلت): ما سبب الإنكار من أبي أيوب عليه. (قلت): إما أنه يستلزم أن لا يدخل عصاة الأمة النار، وقال تعالى: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم وإما أنه حكم باطن الأمر، وقال: نحن نحكم بالظاهر، وإما أنه كان بين أظهرهم ومن أكابرهم، ولو وقع مثل هذه القصة لاشتهر، ولنقلت إليه، وإما غير ذلك، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): وهو خمسة وخمسون فائدة:

                                                                                                                                                                                  الأولى: أن من عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من عقل منه فعلا يعد صحابيا .

                                                                                                                                                                                  الثانية: ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من الرحمة لأولاد المؤمنين ، وفعل ذلك ليعقل عنه الغلمان، ويعد لهم به الصحبة لينالوا فضلها وناهيك بها.

                                                                                                                                                                                  الثالثة: استئلافهم لآبائهم بمزحه مع بنيهم.

                                                                                                                                                                                  الرابعة: مزحه ليكرم به من يمازحه.

                                                                                                                                                                                  الخامسة: استراحته في بعض الأوقات ليستعين على العبادة في وقتها.

                                                                                                                                                                                  السادسة: إعطاء النفس حقها، ولا يشق عليها في كل الأوقات.

                                                                                                                                                                                  السابعة: اتخاذ الدلو.

                                                                                                                                                                                  الثامنة: أخذ الماء منه بالفم.

                                                                                                                                                                                  التاسعة: إلقاء الماء في وجه الطفل.

                                                                                                                                                                                  العاشرة: صلاة القبائل الذين حول المدينة في مساجدهم المكتوبة وغيرها.

                                                                                                                                                                                  الحادية عشر: إمامة الضعيف، والتخلف عن المسجد في الطين والظلمة .

                                                                                                                                                                                  الثانية عشر: صلاة المرء المكتوبة وغيرها في بيته .

                                                                                                                                                                                  الثالثة عشر: سؤال الكبير إتيانه إلى بيته ليتخذ مكان صلاته مصلى.

                                                                                                                                                                                  الرابعة عشر: ذكر المرء ما فيه من العلل معتذرا، ولا يكون شكوى فيه.

                                                                                                                                                                                  الخامسة عشر: إجابة الشارع من سأله.

                                                                                                                                                                                  السادسة عشر: سير الإمام مع التابع.

                                                                                                                                                                                  السابعة عشر: صحبة أفضل الصحابة إياه.

                                                                                                                                                                                  الثامنة عشر: تسميته لأبي بكر وحده لفضله.

                                                                                                                                                                                  التاسعة عشر: صاحب البيت أعلم بأماكن بيته، وهو أدرى به.

                                                                                                                                                                                  العشرون: التبرك بآثار الصالحين .

                                                                                                                                                                                  الحادية والعشرون: طلب اليقين تقديما على الاجتهاد، فإن ذلك موضع صلى فيه الشارع، فهو عين لا يجتهد فيه.

                                                                                                                                                                                  الثانية والعشرون: طلب الصلاة في موضع معين لتقوم صلاته فيه مقام الجماعة ببركة من صلى فيه.

                                                                                                                                                                                  الثالثة والعشرون: ترك التطلع في نواحي البيت .

                                                                                                                                                                                  الرابعة والعشرون: صلاة النافلة جماعة في البيوت .

                                                                                                                                                                                  الخامسة والعشرون: فضل موضع صلاته صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  السادسة والعشرون: نوافل النهار تصلى ركعتين كالليل .

                                                                                                                                                                                  السابعة والعشرون: المكان المتخذ مسجدا ملكه باق عليه.

                                                                                                                                                                                  الثامنة [ ص: 250 ] والعشرون: أن النهي عن أن يوطن الرجل مكانا للصلاة إنما هو في المساجد دون البيوت.

                                                                                                                                                                                  التاسعة والعشرون: صلاة الضحى مستحبة .

                                                                                                                                                                                  الثلاثون: صنع الطعام للكبير عند إتيانه لهم ، وإن لم يعلم بذلك.

                                                                                                                                                                                  الحادية والثلاثون: عدم التكلف فيما يصنع.

                                                                                                                                                                                  الثانية والثلاثون: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعاما .

                                                                                                                                                                                  الثالثة والثلاثون: كان صلى الله عليه وسلم أدوم على فعل الخيرات .

                                                                                                                                                                                  الرابعة والثلاثون: الاكتفاء بالإشارة.

                                                                                                                                                                                  الخامسة والثلاثون: يجوز أن تكون بلفظ معها.

                                                                                                                                                                                  السادسة والثلاثون: يعبر بالدار عن المحلة التي فيها الدور، كما في الحديث: " خير دور الأنصار دور بني النجار " ثم عدد جماعة، وفي آخره " وفي كل دور الأنصار خير ".

                                                                                                                                                                                  السابعة والثلاثون: اجتماع القبيل إلى الموضع الذي يأتيه الكبير ليؤدوا حقه ويأخذوا حظهم منه.

                                                                                                                                                                                  الثامنة والثلاثون: عيب من حضر على من تخلف ونسبته إلى أمر متهم به، وهو مالك بن الدخشن ، وأنه قد شهد بدرا واختلف في شهوده العقبة ، فظهر من حسن إسلامه ما ينفي عنه تهمة النفاق.

                                                                                                                                                                                  التاسعة والثلاثون: كراهة من يميل إلى المنافقين في حديثه ومجالسته .

                                                                                                                                                                                  الأربعون: من رمى مسلما بالنفاق لمجالسته لهم لا يعاقب، ولا يقال له: أثمت.

                                                                                                                                                                                  الحادية والأربعون: الشارع كان يأتيه الوحي ولا شك فيه .

                                                                                                                                                                                  الثانية والأربعون: الكبير إذا علم بصحة اعتقاد من نسب إلى غيره يقول له: لا تقل ذلك.

                                                                                                                                                                                  الثالثة والأربعون: من عيب غيره بما ظهر منه لم يكن غيبة .

                                                                                                                                                                                  الرابعة والأربعون: من تلفظ بالشهادتين واعتقد حقية ما جاء به، ومات على ذلك فاز ودخل الجنة .

                                                                                                                                                                                  الخامسة والأربعون: اختيار من سمع الحديث من صاحب صاحب مثله أو غيره ليثبت ما سمع ويشهد ما عند الذي يخبره من ذلك.

                                                                                                                                                                                  السادسة والأربعون: إنكار من روى حديثا من غير أن يقطع به.

                                                                                                                                                                                  السابعة والأربعون: المراجعة فيه إلى غيره، فإن محمود بن الربيع أوجب على نفسه إن سلم أن يأتي عتبان بن مالك ، وكان محمود في الشام .

                                                                                                                                                                                  الثامنة والأربعون: الرحلة في العلم .

                                                                                                                                                                                  التاسعة والأربعون: ذكر ما في الإنسان على وجه التعريف ليس غيبة، كذكره عمى عتبان .

                                                                                                                                                                                  الخمسون: إمامة الأعمى .

                                                                                                                                                                                  الحادية والخمسون: الإسرار بالنوافل .

                                                                                                                                                                                  الثانية والخمسون: فيه طلب عين القبلة.

                                                                                                                                                                                  الثالثة والخمسون: الاستئذان من صاحب الدار إذا أتى إلى صاحبها لأمر عرض له .

                                                                                                                                                                                  الرابعة والخمسون: تولية الإمام أحد السرية أميرا إذا بعثهم لغزو .

                                                                                                                                                                                  الخامسة والخمسون: الجمع بين الحجة وطلب العلم في سفرة واحدة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية