الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1189 10 - ( حدثنا أبو معمر، قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا أيوب عن حميد بن هلال ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ، وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له ).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن قوله صلى الله عليه وسلم: " أخذ الراية زيد " إلى آخره نعي منه إليهم ; لأنه أخبر بموتهم غاية ما في الباب أنه صرح بالنعي في الحديث السابق ، وهاهنا ذكره بالمعنى ، وصرح بالنعي في علامات النبوة حيث قال : " إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا " . الحديث .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة ، ومعمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد وعبد الوارث بن سعيد ، وأيوب هو السختياني.

                                                                                                                                                                                  وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في الجهاد عن يوسف بن يعقوب ويعقوب بن إبراهيم فرقهما ، وفي علامات النبوة عن سليمان بن حرب ، وفي فضل خالد ، وفي المغازي عن أحمد بن واقد . وأخرجه النسائي في الجنائز عن إسحاق بن إبراهيم .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله " أخذ الراية زيد " ، وقصته في غزوة مؤتة ، وهي موضع في أرض البلقاء من أطراف الشام ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أرسل سرية في جمادى الأولى من سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال : " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فخرجوا ، وهم ثلاثة آلاف فتلاقوا مع الكفار ، فاقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب ، فقاتل بها حتى قتل ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل ، ثم أخذها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ، ففتح الله على يديه " . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيدا [ ص: 24 ] وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبر ، ولما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم حتى قال : " ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم " ، وفي رواية للبخاري عن ابن عمر : " فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ، ووجدنا في جسده بضعا وسبعين من طعنة ورمية " ، وعن خالد : لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية " . رواه البخاري ، وزيد هو ابن حارثة بن شراحيل بن كعب الكلبي القضاعي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه ، ولم يذكر الله تعالى أحدا من الصحابة في القرآن باسمه الخاص إلا زيدا ، قال الله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا وجعفر بن أبي طالب الهاشمي الطيار ذو الجناحين وهو صاحب الهجرتين الجواد ابن الجواد ، وكان أمير المهاجرين إلى الحبشة ، وعبد الله بن رواحة بفتح الراء ، وتخفيف الواو وبالحاء المهملة الخزرجي المدني ، أحد النقباء ليلة العقبة. قوله : " لتذرفان " اللام للتأكيد ، وتذرفان بالذال المعجمة من ذرفت عينه إذا سال منها الدمع . قوله: " من غير إمرة " بكسر الهمزة وسكون الميم وفتح الراء .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه دليل النبوة ; لأنه أخبر بإصابتهم في المدينة ، وهم بمؤتة ، وكان كما قال صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز البكاء على الميت ، وفيه أن الرحمة التي تكون في القلب محمودة ، وفيه جواز تولي أمر القوم من غير تولية إذا خاف ضياعه ، وحصول الفساد بتركه ، وقال الخطابي : لما نظر خالد بعد موتهم وهو في ثغر مخوف ، وبإزاء عدو عددهم جم ، وبأسهم شديد ، خاف ضياع الأمر وهلاك من معه من المسلمين ، فتصدى للإمارة عليهم ، وأخذ الراية من غير تأمير وقاتل إلى أن فتح الله على المسلمين ، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ; إذ وافق الحق وإن لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن ولا من القوم الذين معه بيعة وتأمير ، فصار هذا أصلا في الضرورات إذا وقعت من معاظم أمر الدين في أنها لا تراعى فيها شرائط أحكامها عند عدم الضرورة ، وكذا في حقوق آحاد أعيان الناس مثل أن يموت رجل بفلاة ، وقد خلف تركة ، فإن على من شهده حفظ ماله وإيصاله إلى أهله ، وإن لم يوص المتوفى بذلك ، فإن النصيحة واجبة للمسلمين ، وفيه أيضا جواز دخول الخطر في الوكالات وتعليقها بالشرائط .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية