الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1190 11 - حدثنا محمد ، قال : أخبرنا أبو معاوية ، عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، فمات بالليل ، فدفنوه ليلا ، فلما أصبح أخبروه ، فقال : ما منعكم أن تعلموني ؟ قالوا : كان الليل فكرهنا ، وكانت ظلمة أن نشق عليك ، فأتى قبره فصلى عليه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " ما منعكم أن تعلموني " .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله .

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة : الأول محمد بن سلام ، أو ابن المثنى ; [ ص: 25 ] لأن كلا منهما روى عن أبي معاوية ، ولكن جزم أبو علي بن السكن في روايته عن الفربري : أنه محمد بن سلام . الثاني : أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير . الثالث : أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان ، فيروز الشيباني بفتح الشين المعجمة . الرابع : عامر بن شراحيل الشعبي . الخامس : عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع ، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه من أفراده ، وهو البيكندي البخاري ، وبقية الرواة كوفيون ، وفيه ذكر شيخه بلا نسبة ، واثنان بالكنية ، وواحد بالنسبة إلى شعب بطن من همدان .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري في الصلاة ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، وفي الجنائز عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال فرقهم ، أربعتهم عن شعبة ، وفيه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد ، وعن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، وعن محمد ، عن أبي معاوية هنا ، وعن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن أبي بكير ، عن زائدة ، خمستهم عن أبي إسحاق الشيباني عنه به . وأخرجه مسلم في الجنائز ، عن محمد بن المثنى ، وعن الحسن بن الربيع وأبي كامل الجحدري ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وعن الحسن بن الربيع ومحمد بن عبد الله بن نمير، وعن يحيى بن يحيى ، وعن محمد بن حاتم ، وعن إسحاق بن إبراهيم وهارون بن عبد الله ، وعن أبي غسان . وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن العلاء .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع . وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم ، وعن إسماعيل بن مسعود . وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد .

                                                                                                                                                                                  ذكر اختلاف الألفاظ فيه : وفي لفظ للبخاري : " فقال : متى دفن ؟ فقالوا : البارحة " ، وفي لفظ مسلم : " انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب " ، وقال البيهقي : روى هريم بن سفيان عن الشعبي : " فقال بعد موته بثلاث ليال " ، وروي عن إسماعيل بن زكرياء عن الشيباني ، فقال : صلى على قبره بعدما دفن بليلتين ، ورواه بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان عن الشيباني : " صلى على قبر بعد شهر " . وقال الدارقطني : تفرد بهذا بشر بن آدم ، وخالفه غيره عن أبي عاصم ، وهو العباس بن محمد ، فقال : " صلى على قبر بعدما دفن . وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب : " أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غائب ، فلما قدم صلى عليها . وقد مضى لذلك شهر " ، وقال الترمذي : قال أحمد وإسحاق : أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب : " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر " . فإن قلت : قد وردت الصلاة على القبر بعد سنة فيما رواه البيهقي في سننه من رواية أبي معبد بن معبد بن أبي قتادة : " أن البراء بن معرور كان أول من استقبل القبلة وكان أحد السبعين النقباء ، فقدم المدينة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يصلي نحو القبلة ، فلما حضرته الوفاة أوصى بثلث ماله لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يضعه حيث شاء ، وقال : وجهوني إلى القبلة في قبري ، فقدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد سنة فصلى عليه هو وأصحابه ، ورد ثلث ميراثه على ولده . قلت : قال البيهقي بعد روايته : كذا وجدت في كتابي : والصواب بعد شهر .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله : " مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده " قيل : الإنسان هذا هو طلحة بن البراء بن عمير البلوي، حليف الأنصار ، وروى الطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حصين بن وحوح الأنصاري :" أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به ، وعجلوا ، فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي ، وكان قال لأهله لما دخل الليل : إذا مت فادفنوني ولا تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح ، فجاء حتى وقف على قبره ، فصف الناس معه ، ثم رفع يديه ، فقال : اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه " . وأخرجه أبو داود مختصرا من حديث الحصين بن وحوح : " أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت ، فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " . وقال صاحب التوضيح : إن هذا الإنسان هو الميت المذكور .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 26 ] في حديث أبي هريرة الذي يقم المسجد . قيل : هذا وهم; لأن الصحيح في حديث أبي هريرة : أنها امرأة يقال لها : أم محجن . قوله: " فلما أصبح " ، أي دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الصباح قوله : " وكان الليل " برفع الليل : " وكان " تامة ، وكذا كان في : " كانت ظلمة " قوله : " أن نشق " كلمة أن مصدرية ، أي كرهنا المشقة عليه . وقوله : " وكانت ظلمة " جملة معترضة .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه عيادة المريض ، وقد مر الكلام فيه مستقصى ، وفيه جواز دفن الميت بالليل ، وروى الترمذي من حديث عطاء " عن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا ، فأسرج له بسراج فأخذ من قبل القبلة ، وقال : رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن ، وكبر عليه أربعا ، ثم قال الترمذي : ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل ، وروى ابن أبيشيبة في المصنف بإسناده " عن أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت يقول : أوه أوه . قال أبو ذر : فخرجت ليلة ، فإذا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المقابر يدفن ذلك الرجل ومعه مصباح " ، وفيه الإذن بالجنازة والإعلام به ، وقد مر بيانه مع الخلاف فيه ، وفيه تعجيل الجنازة ; فإنهم ظنوا أن ذلك آكد من إيذانه ، وفيه جواز الصلاة على القبر ، وفيه خلاف ، وقال الترمذي : العمل على هذا ، أي الصلاة على القبر عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : لا يصلى على القبر ، وهو قول مالك بن أنس ، وقال عبد الله بن المبارك : إذا دفن الميت ولم يصل عليه صلي على القبر ، وقال أحمد وإسحاق يصلى على القبر إلى شهر ، وقال ابن التين : جمهور أصحاب مالك على الجواز خلافا لأشهب وسحنون ; فإنهما قالا : إن نسي أن يصلي على الميت فلا يصلي على قبره وليدع له . وقال ابن قاسم وسائر أصحابنا : يصلى على القبر إذا فاتت الصلاة على الميت ، فإذا لم تفت وكان قد صلي عليه فلا يصلي عليه ، وقال ابن وهب : عن مالك ذلك : جائز، وبه قال الشافعي وعبد الله بن وهب وابن عبد الحكم وأحمد وإسحاق وداود وسائر أصحاب الحديث وكرهها النخعي والحسن، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد قال ابن القاسم : قلت لمالك : فالحديث الذي جاء في الصلاة عليه ؟ قال قد جاء ، وليس عليه العمل ، وقال صاحب الهداية : وإن دفن الميت ، ولم يصل عليه صلى على قبره ، ولا يخرج منه ، ويصلي عليه ما لم يعلم أنه تفرق . هكذا في المبسوط . وإذا شك في ذلك نص الأصحاب على أنه لا يصلي عليه ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو قول عمر وأبي موسى وعائشة وابن سيرين والأوزاعي. وهل يشترط في جواز الصلاة على قبره كونه مدفونا بعد الغسل ; فالصحيح أنه يشترط ، وروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يشترط ، وفي المحيط : لو صلى عليه من لا ولاية له عليه يصلي على قبره ويصلي عليه قبل أن يتفسخ ، والمعتبر في ذلك أكبر الرأي ، أي غالب الظن ، فإن كان غالب الظن أنه تفسخ لا يصلي عليه ، وإن كان غالب الظن أنه لم يتفسخ يصلي عليه ، وإذا شك لا يصلي عليه . وروي عن أبي يوسف : يصلي عليه إلى ثلاثة أيام وبعدها لا يصلي عليه ، وللشافعية ستة أوجه : أولها إلى ثلاثة أيام . ثانيها إلى شهر ، كقول أحمد . ثالثها ما لم يبل جسده . رابعها يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه يوم موته . خامسها يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته . سادسها يصلي عليه أبدا ; فعلى هذا تجوز الصلاة على قبور الصحابة ومن قبلهم اليوم . واتفقوا على تضعيفه ، وممن صرح به الماوردي والمحاملي والفوراني والبغوي وإمام الحرمين والغزالي . فإن قلت : في البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه : " أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين " . قلت : أجاب السرخسي في المبسوط وغيره أن ذلك محمول على الدعاء ، ولكنه غير سديد ; لأن الطحاوي روى عن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت والجواب السديد أن أجسادهم لم تبل .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية