الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1222 43 - حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن حميد بن نافع ، عن زينب بنت أبي سلمة أخبرته قالت : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ، ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست ثم قالت : ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وإسماعيل هو ابن أويس ابن أخت مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الطلاق ، عن عبد الله بن يوسف ، وعن محمد بن كثير ، عن سفيان الثوري ، وعن آدم بن أبي إياس ، عن شعبة . وأخرجه مسلم في الطلاق عن يحيى بن يحيى ، عن مالك به ، وعن عمرو الناقد وابن أبي عمر كلاهما عن سفيان بن عيينة به ، وعن محمد بن المثنى ، عن محمد بن جعفر وعبد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة به . وأخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبي ، عن مالك به . وأخرجه الترمذي في النكاح ، عن إسحاق بن موسى ، عن معن ، عن مالك به . وأخرجه النسائي فيه عن الحارث بن مسكين ، وفيه وفي التفسير عن محمد بن سلمة ، وفي التفسير أيضا عن عمرو بن منصور ، وعن هناد وعن وكيع .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) . قوله : " ثم دخلت على زينب بنت جحش " فاعل دخلت هو زينب بنت أم سلمة ، وكذلك في رواية مسلم والنسائي " ثم دخلت " وفي رواية أبي داود والترمذي " فدخلت " بالفاء ، وقال بعضهم : ووقع في رواية أبي داود " ودخلت " بالواو . قلت : ما وجدت في نسخ أبي داود إلا بالفاء مثل رواية الترمذي ، والفرق بين هذه الروايات الثلاث على تقدير كون رواية أبي داود بالواو أن كلمة ثم للعطف على التراخي والمهلة والتشريك في الحكم والترتيب ، وكلمة الفاء للعطف على التعقيب وكلمة الواو العطف على الجمع .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : على ما ذكرت معنى ثم يقتضي أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة ، ولا يصح ذلك ; لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح . قلت : في دلالة ثم على الترتيب خلاف ، ولئن سلمنا ضعف الخلاف فإن ثم هاهنا لترتيب الإخبار لا لترتيب الحكم ، وذلك كما يقال : بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب أي : ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب ، وأما الفاء فإن الفراء قال : لا تفيد الترتيب مطلقا ولئن سلمنا فنقول : الترتيب ذكري لا معنوي ، وأما الواو فإنها لا تفيد الترتيب أصلا ، فإن صحت رواية الواو فلا إشكال أصلا فافهم ، فإنه موضع دقيق لم ينبه عليه أحد من الشراح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حين توفي أخوها " قال شيخنا زين الدين : فيه إشكال ; لأن لزينب ابنة جحش ثلاثة إخوة عبد الله وعبيد الله مصغرا وأبو أحمد ، مشهور بكنيته واسمه عبد على الصحيح ، وقيل : عبد الله ، ولا جائز أن يكون عبد الله مكبرا ; [ ص: 67 ] لأنه قتل بأحد قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، ولا جائز أن يكون عبيد الله ; فإنه مات بالحبشة نصرانيا ، إما في سنة خمس أو في سنة ست ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعده ، فإنه مات عنها بأرض الحبشة ، وكان تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها إما في سنة ست أو سبع على الخلاف المعروف فيه ، وزينب بنت أبي سلمة كانت حينئذ صغيرة وإن أمكن أن تعقل ذلك وهي صغيرة على بعد فيه .

                                                                                                                                                                                  ولا جائز أيضا أن يكون أبا أحمد فإنها توفيت قبله وتأخر بعدها كما جزم به ابن عبد البر وغيره ، وأقرب الاحتمالات أن يكون عبيد الله الذي مات نصرانيا على بعد فيه . فإن قلت : مثلها لا يحزن على من مات كافرا في بيت النبوة قلت : ذاك الحزن بالجبلة والطبع فتعذر فيه ولا تلام به ، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى قبر أمه توجعا لها ، وقيل : يحتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاع . قوله : " فمست به " أي شيئا من جسدها ، وفي رواية للبخاري في العدد " فمست منه " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) استدل به بعض الحنفية على وجوب إحداد المرأة على الزوج ، وقال الرافعي في الاستدلال : به نظر ; لأن الاستثناء من النفي إثبات للمنفي ، وإنما هو عدم الحل على غير الزوج بعد الثلاث فيكون الاستثناء إثباتا لحل الإحداد لا لوجوبه ، قلت : أجيب بأن ظاهر اللفظ وإن كان هكذا ولكن حمل على الوجوب لإجماع العلماء عليه .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : الحسن البصري لا يرى وجوب الإحداد ، قلت : لا يصح هذا عن الحسن قاله ابن العربي . فإن قلت : روى أحمد في ( مسنده ) من حديث أسماء بنت عميس قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال : لا تحدي بعد يومك هذا " . وفيه لا يجب الإحداد بعد اليوم الثالث ، بل فيه أنه لا يجوز لظاهر النهي . قلت : هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد فهو شاذ لا عمل عليه للإجماع إلى خلافه ، وأيضا أن جعفر بن أبي طالب كان قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم ، فلذلك نهى زوجته عن الإحداد عليه بعد الثلاث .

                                                                                                                                                                                  وهذا الجواب فيه نظر لا يخفى وهو أن الشهيد حي في حق الآخرة لا في حق الدنيا ; إذ لو كان حيا في حق الدنيا لما كان يجوز تزوج نسائه ولا كان تقسم تركته . فإن قلت : جعفر مقطوع له بالشهادة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه يطير في الجنة بجناحين ، فقطعنا بأنه حي بخلاف عموم من قتل في حرب الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا فلان مات شهيدا . قلت : قد أخبر عن جماعة بأنهم شهداء ولم ينه نساءه عن الإحداد عليهم كعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله ، وقال في حمزة : إنه سيد الشهداء ، ومع هذا فلم ينقل أنه نهى نساءهم عن الإحداد عليهم ، وفيه دلالة لأبي حنيفة وأبي ثور أنه لا يجب الإحداد على الزوجة الذمية ; لأنه قيد ذلك بقوله : " لامرأة تؤمن بالله " وفيه دلالة على أن الإحداد لا يجب على الصبية ; لأنه لا تسمى امرأة إلا بعد البلوغ .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية