الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1241 61 - حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا قريش هو ابن حيان ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه . قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله فقال : يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم : إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . [ ص: 102 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 102 ] مطابقته للترجمة في قوله : " وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول الحسن بن عبد العزيز ابن الوزير الجروي بفتح الجيم وسكون الراء الجذامي ، مات بالعراق سنة سبع وخمسين ومائتين . الثاني يحيى بن حسان منصرفا وغير منصرف أبو زكرياء الإمام الرئيس . الثالث قريش بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة ابن حيان من الحياة أبو بكر العجلي بكسر العين . الرابع ثابت بن أسلم البناني . الخامس أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه جروي وهي قرية من قرى تنيس ويقال له التنيسي أيضا ، وهو من طبقة البخاري ومات بعده بسنة ، وليس عنده سوى هذا الحديث وحديثين آخرين في التفسير ، وشيخه هذا من أفراده ، ويحيى بن حسان أيضا تنيسي أدركه البخاري ولم يلقه ; لأنه مات قبل أن يدخل مصر وقريش وثابت بصريان والبخاري تفرد به بهذا السند .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " على أبي سيف القين " سيف بفتح السين والقين بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون وهو صفة له ، واسمه البراء ابن أوس الأنصاري ، والقين الحداد قال ابن سيده : قيل : كل صانع قين ، والجمع أقيان وقيون ويقال : قان يقين قيانة صار قينا ، وقان الحديدة عملها ، وقان الإناء يقينه قينا أصلحه ، والمقين المزين .

                                                                                                                                                                                  وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد ، عن محمد بن عمر ولد إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة لما ولد تنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن تميم بن عدي بن النجار ، وزوجها البراء بن أوس بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن عدي بن النجار فكانت ترضعه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه في بني النجار .

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي عياض : اسم أم بردة خولة بنت المنذر زوجة أبي سيف البراء بن أوس . قوله : " وكان ظئرا لإبراهيم " أي : كان أبو سيف ظئرا لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم . الظئر زوج المرضعة وتسمى المرضعة أيضا ظئرا قاله ابن قرقول ، وقال ابن الجوزي : الظئر المرضعة ولما كان زوجها تكفله سمي ظئرا ، وأصله عطف الناقة على غير ولدها ترضعه والاسم الظأر ، وفي الجامع ظئرت الناقة فهي مظئورة وظأرت فلانة إذا أخذت ولدا غير ولدها لترضعه ، وأظأرت أنا ولدي ظئرا إذا اتخذته له ، وفي المحكم الظئر العاطفة على ولد غيرها المرضعة من الناس والإبل ، الذكر والأنثى في ذلك سواء ، والجمع أظؤر وأظآر وظئور وظئورة وظؤار الأخير من الجمع العزيز وظئورة وهو عند سيبويه اسم للجمع ، وقيل : الجمع من الإبل ظؤار ، ومن النساء ظئورة وفي الصحاح ، والجمع ظآر على وزن فعال بالضم .

                                                                                                                                                                                  وقال الأزهري : لا يجمع على فعلة إلا ثلاثة أحرف ظئر وظئورة وصاحب وصحبة وفاره وفرهة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لإبراهيم " أي : ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولفظه عند مسلم في أوله " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له : أبو سيف فانطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاتبعته ، فانتهى إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخانا فتسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت : يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وإبراهيم يجود بنفسه " أي : يخرجها ويدفعها كما يجود الإنسان بإخراج ماله ، وفي بعض طرقه يكيد بنفسه . قال صاحب العين : أي يسوق بها من كاد يكيد أي : قارب الموت . قوله : " تذرفان " بذال معجمة وفاء من ذرفت العين تذرف بالكسر إذا جرى دمعها . قوله : " فقال له " أي : لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " وأنت يا رسول الله " معطوف على محذوف تقديره الناس لا يصبرون عند المصائب وأنت يا رسول الله تفعل كفعلهم ، كأنه تعجب واستغرب ذلك منه لمقاومته المصيبة ، ولعهده أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال يا ابن عوف " هذا جواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف فقال : يا ابن عوف إنها رحمة أي : إن الحالة التي شاهدتها مني هي رقة وشفقة على الولد وليست بجزع كما توهمت أنت ، ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه " فقلت : يا رسول الله تبكي أولم تنه عن البكاء ؟ " وزاد فيه " إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيوب ورنة شيطان ، وإنما هذا رحمة ومن لا يرحم [ ص: 103 ] لا يرحم " وفي رواية محمود بن لبيد " فقال : إنما أنا بشر " وفي رواية عبد الرزاق من مرسل مكحول " إنما أنهى الناس عن النياحة أن يندب الرجل بما ليس فيه " . قوله : " ثم أتبعها بأخرى " أي : ثم أتبع الدمعة الأولى بالأخرى ، ويجوز أن يقال : ثم أتبع الكلمة المذكورة ، وهي أنها رحمة بكلمة أخرى وهي " إن العين تدمع والقلب يحزن " إلى آخره فكأن هذه الكلمة الأخرى صارت مفسرة للكلمة الأولى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " وقد مر أن في حديث أبي أمامة " وإنا على إبراهيم لمحزونون " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه ذكر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وموته ، ومجموع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية القاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب ، ويقال : إن الطاهر هو الطيب وإبراهيم وزينب زوجة ابن أبي العاص ، ورقية وأم كلثوم زوجا عثمان وفاطمة زوجة علي بن أبي طالب ، وجميع أولاده من خديجة رضي الله تعالى عنها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية .

                                                                                                                                                                                  وقال الزهري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي " وعن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إبراهيم : " لو عاش ما رق له خال " واتفقوا على أن مولده كان في ذي الحجة سنة ثمان ، واختلفوا في وقت وفاته ، فالواقدي جزم بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر ، وقال ابن حزم : مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة ، وقيل : بلغ ستة عشر شهرا وثمانية أيام ، وقيل : سبعة عشر شهرا ، وقيل : سنة وعشرة أشهر وستة أيام ، وفي سنن أبي داود توفي وله سبعون يوما ، وعن محمود بن لبيد توفي وله ثمانية عشر شهرا ، وفي صحيح مسلم قال عمرو : فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي ، وإن له لظئرين يكملان إرضاعه في الجنة " . وعند ابن سعد بسند صحيح ، عن البراء بن عازب يرفعه " أما إن له مرضعا في الجنة " وفي رواية جابر عن عامر ، عن البراء " إنه صديق شهيد " . وعن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : أول من دفن بالبقيع ابن مظعون ثم اتبعه إبراهيم . وعن رجل من آل علي بن أبي طالب لما دفن إبراهيم قال النبي صلى الله عليه وسلم : هل من أحد يأتي بقربة ، فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء فقال : رشها على قبر إبراهيم .

                                                                                                                                                                                  واختلف في الصلاة عليه فصححه ابن حزم وقال أحمد : منكر جدا ، وقال السدي : سألت أنسا أصلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ؟ قال : لا أدري . وروى عطاء عن ابن عجلان ، عن أنس أنه كبر عليه أربعا وهو أفقه أعني عطاء . وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه أنه ما صلى وهي مرسلة فيجوز أن يكون اشتغل بالكسوف عن الصلاة ، وحكى الحافظ أبو العباس العراقي السبتي أن معناه لم يصل عليه بنفسه وصلى عليه غيره ، وقيل : لأنه لا يصلي على نبي ، وقد جاء عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لو عاش كان نبيا . وقال أبو العباس : كل هذه ضعيفة والصلاة عليه أثبت .

                                                                                                                                                                                  وفيه جواز تقبيل من قارب الموت وذلك قبل الوداع والتشفي منه ، وفيه جواز البكاء المجرد والحزن وقد مر هذا فيما مضى . فإن قلت : روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثني أبي ، عن علقمة " عن عائشة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تدمع عينه على أحد قال علقمة : أي أمه كيف كان يصنع ؟ قالت : كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته " قلت : يحتمل أن عائشة ما شاهدت ما شاهده غيرها ، أو يكون مرادها لا تدمع عينه بفيض .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية